فاروق يوسف يكتب:

خرافة الساكنين في القصور

"عجل الله فرجه" عبارة تُلحق بذكر الأمام المهدي، وهو الامام الثاني عشر بالنسبة للشيعة الذي اختفى في طفولته في ظروف غامضة كما يُقال وصارت عودته بمثابة إشارة لبدء القيامة حيث يتم حسب الحكاية الدينية الانتقال النهائي من حياة الدنيا الزائلة إلى حياة الآخرة الأبدية.

الفقراء يرددون تلك العبارة بغبطة ورغبة عميقة في أن يقع الظهور في فجر اليوم التالي رغبة منهم في التخلص من أعباء الحياة الثقيلة التي يعيشونها أما الأغنياء فإنهم يتشائمون منها، ذلك لأنهم قد تعرفوا على مباهج الحياة وترفها وخفتها وقوة معانيها. اما الآخرة فإنهم لا يرون فيها إلا مأتما وجنازة وقبرا. وهو ما لا يحفز خيالهم على التفاؤل أو القبول بفكرة الفرج المنتظر.

وكما أرى فإن التهديد بظهور المهدي وهي فكرة غيبية تحتمل الكثير من التأويل النسبي.

أولا لأنها فكرة مريحة موجهة إلى الفقراء دون سواهم وذلك من أجل الإقرار بالفقر باعتباره قدرا لا راد له.

ثانياً لأنها كانت ولا تزال ملهاة رابحة بالنسبة لرجال الدين الذين يضمنون قدرتهم على التأثير، كونهم أوصياء على عهدة الامام الغائب ما دام غائبا.

ثالثاً لأن السياسيين قد وجدوا فيها ثغرة آمنة للاستغراق في الفساد وتطوير أنواعه والاستفادة منه والوصول به إلى الأقاصي، ذلك لأن المهدي لن يظهر إلا بعد أن يستشري الفساد بكل أنواعه وحجومه.

لهذا يعتبر الفاسدون أنفسهم مبشرين بظهور الامام الغائب من خلال استغراقهم وتوسعهم في الفساد. إنهم يعملون على أن يكونوا أبناء أوفياء ومخلصين لفكرة الأمام المخلص حين يعملون على تهيئة الواقع لظهوره المطلوب من قبل العامة.

ما يفعله الفاسدون في العالم العربي هو جزء من مشروعهم الديني. وهنا ينبغي الانتباه إلى ان الفكرة الشيعية قد تم تعميمها بطريقة مُسخًرة لكي تكون مفيدة لجميع الطبقات الحاكمة بغض النظر عن مذهبها.

لسان حال تلك الطبقة يقول "الفساد هو طريقنا إلى الآخرة. وليعجل الله في فرج الامام الغائب."

أعتقد أن هناك الكثير من التضليل والخداع في تلك الفكرة الغيبية بعد أن جرى تطويعها وتدجينها لخدمة الطبقات الحاكمة التي تتألف من تحالف متماسك وقوي بين أصحاب الأعمال ورجال الدين ووسائل الدعاية الموجهة والمبرمجة والسياسيين الذين قفزوا إلى السلطة في لحظة فراغ سياسي تاريخي في أجزاء من العالم العربي، مهدت لها أجهزة أمنية عالمية، هي على اطلاع على تفاصيل المشروع الديني الذي يعتمد أصلا على الغاء المجتمع المدني وحذفه جوهرا ومظهرا.

وإذا ما كان حزب الله في لبنان والأحزاب الدينية في العراق وفي مقدمتها حزب الدعوة الإسلامي لا تكف عن الإعلان عن التبشير بدنو يوم الحساب فإن جماعة الاخوان المسلمين وما نتج عنها من جماعات إرهابية أصولية لا تخفي عداءها للحياة في سياقها المدني.

يبدو ذلك التضليل جليا في المسافة الطبقية الهائلة التي تفصل بين الخاصة (السادة لدى الشيعة) والعامة. فالخاصة التي تنعم بحياة مترفة ورخية لا تكف عن استثمار الفكرة من أجل ابتزاز العامة التي يدفعها خوفها من اقتراب يوم الحساب إلى التخلي عن المطالبة بالعدالة الاجتماعية بالرغم من أن كل شيء من حولها يصرخ بفساد الخاصة من رجال الدين واتباعهم والمروجين لهم والشركات الأمنية التي توفر لهم الحماية.

الساكنون في القصور يعملون على بث الرعب الديني في صفوف ساكني الأكواخ المعدمين في انتظار ظهور المخلص الذي سيملأ الأرض عدلا.

المشكلة تكمن في أن الحكاية الغيبية قد تمكنت من الفقراء الى الدرجة التي لن يتمكن أحد معها أن يتساءل عن سر انخراط الزعامات الدينية في المشهد السياسي الكئيب بكل ما ينطوي عليه من فساد.

لقد غسل رجال الدين عقول الناس حين صنعوا من انتظار ظهور الامام الغائب حجابا يحول دون وضع الفساد باعتباره جريمة في مواجهة القانون. لذلك فإن العدالة ستظل مؤجلة إلى يوم قد لا يحل أبداً.