فاروق يوسف يكتب:

مزاد وزاري في العراق

من باب السخرية من الآخرين والاشفاق على الذات ليس إلا عرض عادل عبدالمهدي المكلف بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة على العراقيين أن يقوموا بترشيح أنفسهم إلى المناصب الوزارية من أجل أن لا تكون تلك المناصب حكرا على أعضاء الأحزاب المهيمنة على السلطة.

مَن يجد في نفسه الكفاءة لكي يكون وزيرا ما عليه سوى أن يملأ قوائم الترشيح التي تم تداولها عبر الانترنت. سابقة لا تحدث إلا في العراق، البلد الذي تباع فيه المناصب وتُشترى بشكل علني نظرا لما يدره المنصب الحكومي على صاحبه من أموال خيالية.

لقد شهد العراق عبر السنوات الماضية عمليات احتيال وسرقة وتزوير ونهب للمال العام قامت بها مافيات الفساد المنظمة لم يشهدها بلد في العالم من قبل.

لم تترك عمليات الفساد تلك مكانا في الدولة إلا واقتحمته بعصفها وفي المقدمة تقف الوزارات السيادية والجيش والشرطة والأجهزة الأمنية.

كان هناك دائما مزاد للمناصب الحكومية هو جزء أساس من عمل تلك المافيات التي تتحكم بالسلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية. لذلك تمتع ذلك المزاد وزبائنه والجهات المستفيدة منه بحماية وحصانة لا يتمتع بهما رئيس الوزراء نفسه.

لقد تحول مجلس النواب ومكتب رئيس الوزراء إلى مزادين تتم من خلالهما صفقات بيع وشراء المناصب الحكومية مع مراعاة الطابع الطائفي انسجاما مع سياق نظام المحاصصة.

عبدالمهدي وهو ابن النظام وأحد دعاة نظام المحاصصة يعرف كل ذلك وأكثر. لذلك فإنه يدرك أن تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة التي تخلف حكومة حزب الدعوة ما هو إلا فخ نصبه له أخوته الفاسدون من أجل أن يمرروا من خلاله صفقاتهم. وهو ما دفعه إلى أن يشهر سلاح السخرية في وجوههم.     

لا بأس أن يسخر المرء من نفسه مدفوعا برغبته في السخرية من الآخرين.

الآخرون هنا ليس من اليسير السخرية منهم.

هم عتاة الفاسدين الذين وضعوا البلد كله في جيوبهم.

"ما الذي فعله هذا الصبي البالغ من العمر 76 سنة بالعملية السياسية؟" ذلك هو سؤالهم الذي يضع الضحك بين قوسين حائرين.

إنه انحدر بتلك العملية إلى نوع صبياني من اللعب. اعتقد أن حكيم البيت الشيعي إبراهيم الجعفري هو الأكثر غضبا في مواجهة تلك اللعبة بالرغم من ان نوري المالكي الذي حكم العراق لثمان سنوات لن يكون سعيدا بما انتهى إليه الحكم الطائفي الذي أسس له بدهاء وخبث لا مثيل لهما.

سواء عن قصد مسبق أو عن عبثية مجانية فقد كشف عبدالمهدي عن عمق المهزلة التي يعيشها العراق بعد أن سطت على شعبه كوابيس الفساد، بكل تجليات فنونها التي تفوق القدرة على الوصف.

لقد أصيب العراق بهستيريا الفساد. صار الفساد جزءا من السلوك الاجتماعي الذي لن ينفع في علاجه شيء. وهو ما جعل الحصول على المناصب الحكومية وسيلة للإثراء غير المشروع وأفقد تلك المناصب طابعها الخدمي النزيه. الأسوأ من ذلك أن الأجهزة الرقابية نفسها صارت تساهم في الفساد، لا من خلال تسترها عليه حسب بل وأيضا من خلال اشتراكها في جرائمه.

هستيريا الفساد هي التي دفعت رئيس الوزراء المكلف إلى إقامة ذلك المزاد الرث والمبتذل الذي لن يصدق أحد أنه سينصف المشاركين فيه. بالرغم من أن أولئك المشاركين هم الآخرون ليسوا جادين في طلباتهم.

إنها فكرة مسلية جديدة ومبتكرة للعب انتجها واقع لاأخلاقي سيكون على الرجل الذي ابتكرها أن يدفع ثمنها في ما بعد.

هناك الكثير من الكلام الهامشي في ما يتعلق بالديمقراطية في العراق، غير أن الحقيقة تكمن في أن النظام الطائفي يجد ما يسليه حين يضحك على الشعب مستعملا تقنيات الديمقراطية ليصل به إلى مرحلة اليأس الكامل.

المطلوب أن يستسلم العراقيون نهائيا للنظام الطائفي الذي أقيم على أساس المحاصصة الحزبية.