فاروق يوسف يكتب:
ذاكرة تونس الجمالية
كانت تونس على وشك أن تقيم متحفا لفناني حداثتها والفنانين الممهدين لتلك الحداثة، غير أنها تراجعت عن ذلك القرار في آخر لحظة لتقيم أيام قرطاج للفن التشكيلي، وهي احتفالية لا يمكن تعريفها في سياق تاريخ بلد عرف الفن بطريقة احترافية متقدمة.
كانت مدينة الثقافة حدثا معماريا لم ترق إلى مستواه المعروضات التي تم تكديسها على عجل، لتعطي صورة غير صحيحة عن الحقيقة التي أنا على يقين من أن الفنانين التونسيين يقفون دفاعا عنها بحسرة وغضب. ليست هذه تونس، ما من شيء في ما عُرض يمت بصلة إلى تجربة تونس الحداثوية، لا يليق ببلد علي بن سالم وعمار فرحات والزبير التركي ونجيب بلخوجة وعبدالرزاق الساحلي وسواهم من الكبار أن ينفق أمواله على استعراضات لا تترك أثرا، وتستخف بمكانة الفن الحديث في الحياة اليومية.
كانت فكرة إقامة متحف ميسرة، بسبب ما تحتويه مخازن وزارة الثقافة من كنوز وروائع المنجز التشكيلي التونسي التي تراكمت عبر الزمن، غير أن شيئا غامضا حدث أضفى على تلك الفكرة نوعا من العسر الذي قفزت عليه المؤسسة الفنية من خلال اختراع أيام قرطاج التي هي عبارة عن احتفال مؤقت وزائل، لا يبقي أثرا.
كما لو أن موقفا مضادا لذاكرة الجمال الوطني هو الذي أوحى بحذف فكرة المتحف واستبدالها باحتفال، هو أقرب إلى الارتجال منه إلى التأسيس، فتلك الأيام يمكن أن تُنسى، ولكن المتحف باق طالما بقيت تونس، هو الجزء العصي من تاريخها وهو صبّارتها التي تقاوم الريح. ولأن الفن التشكيلي في تونس عريق عراقة المجتمع المدني فيها، فإنه يستحق أن يتقدم كل المعالم التي يؤكد من خلالها التونسيون تحضرهم وتمدنهم ونزعتهم الحداثوية.
كانت تونس دائما أرضا خصبة بعطائها الجمالي، لذلك كان التخلي عن إقامة متحف للفنون التشكيلية التونسية الحديثة نوعا من الإجحاف في حق تلك الأرض.
أتمنى أن تستعيد المؤسسة الفنية رشدها لتعبر عن وفائها لتونس في أجمل تجلياتها الجمالية.