فاروق يوسف يكتب:

حوار شيطاني بين ترامب ونصرالله

 يحقُّ للرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يقول ما يشاء. ما من شيء يحرج الأميركيين في ما يقوله ترامب إذا ما تعلق الأمر بالآخرين. الرجل الذي يحكم بقوة المال ليس مطلوبا منه أن يكون سياسيا إلا بمواصفات أميركية. الزلات التي ارتكبها ترامب تكشف عن جهله العميق بالكثير من الحقائق التاريخية.

طبعا لا يمكن مقارنة جهل ترامب بجهل إبراهيم الجعفري، وزير الخارجية العراقي الذي لا يعرف شيئا عن تاريخ بلاده. غير أن ترامب هو الآخر ليست لديه معلومات عن العالم الذي يخاطبه. لذلك يرتكب هفوات غريبة منها تلك الـ12 دقيقة التي قال إن في إمكان إيران أن تسيطر على المنطقة فيها.

كان ذلك الرقم قد ضغط على عقله الباطني، فلم يجد سواه لتأكيد عظمة الولايات المتحدة التي منعت وقوع تلك الكارثة.

ترامب كما يبدو لا يعرف شيئا عن الحرب العراقية- الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات وانتهت بقبول الخميني بوقف إطلاق النار كمَن يتجرع السم حسب قوله. لقد هُزمت إيران ما دام الولي الفقيه قد استسلم متجرعا السم إلى خيار إنهائها مضطرا. إيران التي يهدد ترامب بها دول المنطقة ليست قوية لكي تقوم بمغامراتها مثلما ومتى تشاء إلا إذا مهدت لها الولايات المتحدة الطريق إلى ذلك. وهو ما حدث في العراق.

الغزو الأميركي الذي وقع عام 2003 هو الذي عبَّدَ الطريق لإيران لكي تحتل العراق. لولا ذلك الغزو ما كان في إمكانها أن تقيم لها قواعد عسكرية خارج أراضيها من خلال الميليشيات الطائفية التي نشرتها في لبنان والعراق وسوريا. كان الغزو الأميركي هو بوابة الأمل بالنسبة للمشروع التوسعي الإيراني. ما أسدته الولايات المتحدة من خدمة إلى إيران في ذلك المجال لا يمكن القفز عليه بيسر. تمكنت إيران من المنطقة لأن الولايات المتحدة فتحت أمامها أبواب التوسع.

فأية 12 دقيقة تلك التي يُلوّح بها ترامب؟

يمكن لمجنون مثل حسن نصرالله ألّا يفكر بالعار الذي يمثله وجوده عميلا لدولة أجنبية حين يتباهى بقوة إيران، من غير أن يفكر بلبنان، بلده المستضعف الذي هو جزء من المنطقة التي افترض ترامب أن في إمكان إيران أن تحتلها في 12 دقيقة.

حين يردّ نصرالله متباهيا بقوة إيران التي أقرّ بها الرئيس الأميركي فإنه لا يفكر بلبنانيته، لا لشيء إلا لأنه إيراني قلبا وقالبا، ولأنه سبق له وأن اعترف أنه وحزبه ما كانا موجودين لولا تمويل الجمهورية الإسلامية في إيران. إنه واحد من جنود الولي الفقيه. هذا هو تعبيره. وكما يبدو فإن الظرف العالمي يسمح بأن يكون الحوار بين المجانين هو الموقع الذي يمكن من خلاله معرفة مصير المنطقة. وهو ما لا يمكن أن يقود إلى الحقيقة.

فإذا كان ترامب جاهلا بالحقيقة فإن نصرالله خائن لها.

إيران التي يُتوقع أن تقودها العقوبات الاقتصادية الأميركية إلى مواجهة أوقات عصيبة هي ليست تلك الدولة التي يفخر الإنسان بالوقوف معها. فهي ليست سوى لغم تمّ تجهيزه لكي يكون مصدر تهديد دائم للأمن والاستقرار في منطقة تزوّد العالم بالجزء الأكبر من الطاقة.

يخطئ ترامب حين يردد معزوفته عن فضل الولايات المتحدة في حماية دول المنطقة. أولا لأن الولايات المتحدة لا تقوم بأكثر من حماية مصالحها، وثانيا لأنها هي المسؤولة بشكل مباشر عن ظاهرة استضعاف المنطقة بعد أن سلمت العراق إلى الضياع بعد حرب تحرير الكويت عام 1991.

أمّا حسن نصرالله فإنه ليس سوى واحد من فئران المختبر الذي أنشأته إيران بعد أن مهّدت الولايات المتحدة لها الطريق للقيام بذلك.

لذلك فإن الـ12 دقيقة كانت من الممكن أن تكون دهرا، لن تتمكن فيها إيران من المس بأمن المنطقة لو لم تعمل الولايات على النفخ في الفقاعة الإيرانية التي ستنفجر عمّا قريب بعد أن يصل التومان إلى الحضيض ويفرض نصرالله على اللبنانيين ضريبة تحمّل بقائه.