محمد أنعم يكتب:

الصراع الحوثي - الحوثي.. والبحث عن قارب النجاة (1)

الانتصارات المتواصلة لأبطال المقاومة في مختلف الجبهات بعموم الجمهورية وفي مقدمتها المقاومة المشتركة بالساحل الغربي وما تلحقه من هزائم نكراء بعصابة الحوثي، فاقمت حدة الصراعات بين اجنحة الحوثي، وبدأت تتضح للجميع هشاشة وضعف التركيبة الداخلية للحركة، وعدم انسجام قيادتها وتقاطع مصالحهم، وتناقض أهدافهم، وغياب وجود رؤية واحدة تجمعهم،، إضافة الى انهم في الأساس لا يمتلكون مشروع وطني، وكان من الطبيعي ان تصل الحركة الى ما وصلت اليه الان من تجنحات.

تشهد الساحة الوطنية جولات ضارية بين هذه الذئاب المسعورة التي تمارس لعبة الافتراس الدامي لبعضها البعض، ومهما خلناهم يعووا بصوت واحد، الا انهم يتحركون باعين تتطاير منها نيران الأحقاد والكراهية ويتحين كل جناح الفرصة ليبطش بالأخر، اشباعا لرغبتهم السادية، فهكذا هو تاريخ الجماعات الكهنوتية، يشبه حياة قطيع الذئاب، فهم يدورون في حلقة مفرغة. وبنفس العقول الجامدة، ويكررون أنفسهم بذات الوجيه القبيحة، والتفكير الهمجي.. قطيع غير قابلين للتطور، غير واعيين بالمتغيرات في وعي المجتمعات والشعوب وتجاوزهم لماضي الدجل والخرافات وبيع الأوهام..

مؤخرا خرجت الى السطح الصراعات بين اجنحة الحوثي (الحوثي – الحوثي.) من جهة، ومن جهة ثانية بين جناحي (القبائل – الحوثي ) ، بعد ان خرقت دماء الضحايا حواجز الرعب الحديدية التي يفرضها الحوثي على حركته الإرهابية ، وصارليس بمقدوره ان يخفي بشاعته تامره وغدره بأقرب المقربين اليه والمخلصين له ، والقضاء عليهم بدم بارد .

القائمة لا تتسع لذكر تفاصيل صراع الاجنحة داخل هذه الحركة الإرهابية، ونكتفي بالإشارة الى الصراعات المحتدمة بعد اجتياح العاصمة صنعاء. الصرع (الحوثي – الحوثي ):

يعد الصراع بين الاسر المكونة لجناح الحوثي ، امتدادا لصراع مشتعل بينهم منذ القدم ، لكننا نشير الى الصراع بين اسرتي حميد الدين والحوثيين على احقية من يحكم اليمن بعد تحريرها من الاتراك ، حيث نجد انه تم حسمه بخديعة لصالح يحيى حميد الدين ، ومن ثم الصراع بين اسرة حميد الدين ، واسرة بيت الوزير، وقد حسم في انتكاسة ثورة 1948م الخ ..وتوالت الصراعات ، لتمتد الى داخل الحركة الحوثية اليوم .

المهم.. منذ أواخر 2014م ، اختفى صالح هبرة الرجل الثاني لجماعة الحوثي ، ولا يعرف شيئا عن مصيره حتى الان ، كما لم يجرؤ أي قيادي حوثي ان يسال عنه خوفا من ان يثير ذلك غضب عبد الملك الحوثي ويواجه نفس المصير.

اما اسرة واقارب هبرة فيعيشون اهوالا يومية، خوفا من ان بطش بهم الحوثي، لو تجرأ احدهم وسال عن مصيرة، خصوصا مع تضارب الاخبار حوله، فهناك معلومات تشير الى ان صالح هبرة مرميا في قبو داخل اقبح الجروف في صعدة ، بينما الروايات التي يتم تداولها سرا تفيد بان قيادي حوثي كبير دس له سم إيراني.

هذه العملية البشعة ارعبت قيادات الحركة ممن ينتمون لمحافظتي صنعاء وذمار وغيرهما، فاجبروا على ابتلاع السنتهم تاركين لجناح حوثة صعدة الحرية ليصول ويجول في العاصمة بدون حسيب او رقيب. ..

وبعد نجاح الحوثي بالتخلص من هبرة ابرز منافس له، سواء اكان ذلك بالسجن او القتل، او الإقامة الاجبارية، جاء الدور على القيادي يوسف الفيشي (ابومالك الفيشي) والذي يعد أيضا من ابرز القيادات وقد شغل منصب الرجل الثاني للحركة بدلا عن هبرة، حيث تحمل العديد من المهام ممثلا للحوثة، منها عضوا في ما يسمى بالمجلس السياسي، لكن اتساع نفوذه وتميزه بالمرونة السياسية، اثار قلق وانزعاج عبدالملك الحوثي ، فتم الإطاحة بالفيشي بشكل مهين ، وعين بدلا عنه في المجلس السياسي ، مهدي المشاط .. ولم يتوقف الامر الى هنا، بل ان الحوثي وفي امعان على امتهان الفيشي قرر نفيه من العاصمة صنعاء الى منطقة نائية، حيث عينه مشرفا على الملاحيظ ،احدى مديريات محافظة صعدة. .

وبتوالى تساقط رؤوس كبار من قيادات الحركة في هذا الصراع الحوثي – الحوثي ، قامت جماعة ضحيان بعد انتفاضة ديسمبر 2017 بالتخلص من ابرز واخطر قيادي دموي وهو يحيى محمد الشامي والذي يمثل عائقا حقيقيا يحول دون انفراد عبدالملك الحوثي واسرته بالحكم او ما يسميها الولاية التي يتغنى بها دائما ، ومن اجل ان يضمن لنفسه ذلك الحق المزعوم ، تم استهداف يحيى الشامي ،والذي تتضارب الأنباء حول مصيره منذ ان توارى نهائيا عن الأنظار عقب انتفاضة ديسمبر 2017م .

مقربون من اسرة الشامي يتهامسون سرا انه تعرض لنوع من السموم الضحيانية افقدته الذاكرة وتوازنه، وشلت حركته ونادرا ما يعود الى وعيه ، فيما تشير معلومات أخرى الى انه اصبح مشلولا ونقل الى احد مستشفيات العاصمة صنعاء ،ولكن تم إخراجه منه يسبب صراخة المتواصل ، فتم اخذه الى مكان مجهول ، وتذهب الترجيحات الى انه يقبع في بدروم المجلس السياسي بالجراف...

ولم يكتفي الحوثي بذلك ، بل قام بإقالة الرجل الثاني لأسرة الشامي وهو محمد عبدالجليل الشامي مدير امن محافظة اب من منصبه ، إضافة الى التخلص من ابرز المقاتلين من اسرة الشامي الذين سبق ان أهلتهم الجماعة في ايران ولبنان تأهيلا قتاليا عاليا ، ومنهم يحيى عبدالجبار الشامي قائد ماتسمى بفرقة التدخل السريع ومعه اكثر من 90 شخصا بينهم الكثير من أبناء عمومته والذين لقوا حتفهم في الساحل الغربي في مايو الماضي بضربة جوية للتحالف.

وهكذا يواصل عبدالملك الحوثي التخلص من الأقطاب المنافسة له الواحد بعد الاخر ، ومن ذلك انه في شهر سبتمبر الماضي اوكل للمدعو احمد حامد ، (ابو محفوظ) والذي يشغل حاليا ، منصب مدير مكتب الرئاسية للانقلابيين ، مهمة تجريد علي محمد الكحلاني لوجستي عصابة الحوثي من كل مهامه ، وعلى الفور قام أبو محفوظ بإيعاز تنفيذ المهمة على احد العناصر من أبناء ضحيان ، وقد تم بالفعل الإطاحة بالمدعو علي الكحلاني ،الذي سخر كل خبراته التي اكتسبها اثناء تحمله مسؤولية مدير المؤسسة الاقتصادية ، ووظفها لخدمة العصابة الحوثية. ..

كما تخلص في ذات الوقت من قيادات كبيرة من بيت المتوكل والكحلاني ، وغيرهم برميهم في محرقة الساحل الغربي ،بينما فرغ الحوثي نفسه واركان اسرته ،لنهب الأموال ،واحكام قبضتهم على اهم المناصب في العاصمة صنعاء بعد ان ضمنوا عدم وجود أي خطر او مطامع تهددهم من اسرتي المتوكل والكحلاني وغيرها.
توالي الهزائم القاسية التي تتعرض عصابة الحوثي في الساحل الغربي وصعدة والبيضاء وتعز وحجة وغيرها، أدت الى توسيع الخلافات بين اجنحة الحركة، خصوصا بعد قيام معظم قياداتها بتهريب أولادهم وما نهبوه من أموال باهضه الى الخارج، وفرارهم من جبهات القتال.. فتعمقت الخلافات بينهم، وانعدمت الثقة، وبات كل جناح يتأبط شرا بالأخر، وفي الوقت ذاته تتحرك بعض هذه الاجنحة للبحث عن قارب نجاة هربا من الموت الحتمي، مدركين بان نهايتهم اقتربت نتيجة لخسائرهم الكبيرة في الساحل الغربي، بعد فقدانهم لمعظم القيادات البارزة خلال الأشهر القليلة الماضية..

لقد ادركت قيادة هذه الاجنحة ان عبدالملك الحوثي واخوانه ، هدفهم من وراء استمرار خوض معركة الساحل الغربي، هو التخلص من معظم منافسيه داخل الحركة بأسرع وقت ، لتتصدر اسرته المشهد، دون منازع من الاسر والقيادات القبلية الأخرى في حال تم التوصل لحل سياسي سلمي للازمة .فيما السبب الاخر لتفاقم الصراعات يتمثل باستحواذ جناح عبد الملك وعمه عبد الكريم ومحمد علي الحوثي وأركان اسرتهم على جميع المنهوبات وتهريبهم للمليارات من الأموال العامة والخاصة وايداعها بأرصدتهم الخاصة في الخارج، بعد ان هربوا أولادهم الى لبنان وإيران ولندن وألمانيا وكندا وغيرها.