فاروق يوسف يكتب:
كابوس ترامب الذي أنقذنا
صُدم الكثيرون بانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة. كانت أوروبا أول المصدومين غير أنها استطاعت أن تتخطى آثار الصدمة لتتعامل ايجابيا مع أقسى قرارات ترامب الاقتصادية.
بالنسبة لرجل مهنته المال لا فرق لديه بين قريب وبعيد في مسألة “الدفع″. لذلك لم تحظ أوروبا بأفضلية القريب ولم تكن استثناء في برنامج قرر الرئيس الأميركي من خلاله أن ينهض باقتصاد بلده كما لم يفعل رئيس أميركي من قبل. مَن يتابع تهوره اللغوي، يشعر كما لو أن سيد البيت الأبيض يقول كلامه مستسلما لهذيانه في لحظة ارتجال. وهو استنتاج ليس صحيحا. ذلك لأن ترامب ماض في تنفيذ كل خططه التي أعلن عنها منذ اللحظة التي دخل فيها إلى سباق الرئاسة.
ما فعله ترامب عبر السنتين الماضيتين هو تجسيد لسياسة أميركية واضحة، بعد أن كان الغموض هو الصفة التي أحاطت بظلالها تلك السياسة لثماني سنوات من حكم باراك أوباما وهو ما انعكس على العالم العربي بطريقة سلبية، سلّمته إلى الفوضى التي تديرها الأحزاب الإسلامية وما تفرّع عنها من جماعات إرهابية. لم يكن ما جرى في العالم العربي إلا انعكاسا لسياسة أميركية، تبين في ما بعد أنها تستند إلى مشروع مخابراتي قديم يميل إلى تسليم المنطقة بأكملها إلى الجماعات الإسلامية المتشددة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين. ترامب قلب الطاولة. المخطط القديم لم يعد صالحا للاستعمال على الأقل في ظل رئاسته. غَلَبَ رجل الأعمال الجانب العملي في تعامله مع العالم العربي على النظريات المسمومة. وهو ما جعله مريحا بالرغم من فظاظة سلوكه التي لا تُذكر مقارنة بالنتائج الملموسة على الأرض.
ترامب الذي لم يعجب مثقفي اليسار الأميركي جلب إلى الاقتصاد الأميركي استثمارات خيالية فيما كان سلفه الديمقراطي أوباما قد أنفق المليارات من أجل دعم التيارات الظلامية في العالم العربي. المفارقة أن ترامب الجمهوري لم يكن يمينيا في سياسته في العالم العربي، فيما كان أوباما الديمقراطي كذلك. وهو ما يعني أن العناوين الكبرى لم تعد كفيلة بالتعبير عن المحتوى.
أوباما كان إخوانيا في سياسته اتجاه العالم العربي فيما ترامب ليس كذلك. لا أعتقد أن أحدا ممن يرغبون للعالم العربي حياة أفضل لا يرحب بذلك التحول العظيم.
لقد سعى أوباما إلى إعادة تأهيل النظام الإيراني من خلال الاتفاق النووي. كان واضحا للإدارة الأميركية أن العالم العربي سيكون أول المتضررين من ذلك الاتفاق الذي أطلق يد إيران في المنطقة، بل وجهزها بوسائل التمويل المطلوبة لتغطية تمددها ماليا وكان ذلك بمثابة نكسة كبيرة في تاريخ العلاقات العربية ـ الأميركية.
لقد سقطت دول عربية تحت الهيمنة الإيرانية وكانت الولايات المتحدة تتفرج، بل أنها وضعت العراق عام 2011 يوم قرر أوباما سحب قواته وديعة في الخزانة الإيرانية.
كانت المعطيات كلها تشير إلى أن إيران ماضية في تنفيذ سياستها التوسعية في العالم العربي وهي سياسة لن تقف عند معين. ذلك لأنها وجدت في ما سمي بالربيع العربي بغطائه الإخواني ما يكملها وصولا إلى نشر الفوضى. أما حين انسحبت الولايات المتحدة من ذلك الاتفاق فقد بانت علامات الفرج، وظهرت أوهام القوة الإيرانية على حقيقتها.
ظهور ترامب الخشن على المسرح الدولي كان بمثابة نهاية لحقبة أوباما الناعمة التي سلمت العالم العربي إلى جحيم التنظيمات الدينية المتشددة والجماعات المسلحة التي قامت إيران وحلفاؤها برعايتها. وكان كابوس جماعة الإخوان قد تم تجهيزه لتدمير مصر وهي قلب العالم العربي ونقطة توازنه. أليس من الصائب أن نحتفي بترامب، الوحش الذي قُدّر له أن ينقذنا من الهلاك النهائي؟
ترامب ليس رجل الحقيقة، غير أنه الأكثر جرأة على البوح بها.
بالمعيار الأخلاقي لا يمكن أن يكون ترامب مثالا يُحتذى ولكن السياسة شيء آخر. ستقود سياسته في كبح جماح إيران إلى تحرير شعوب عربية من فخ العبودية التي وقعت فيه. ستجعل تلك السياسة شعوبا عربية أخرى قادرة على التفرّغ لمشاريع التنوير والتحضر من غير أن يضيق عليها الخناق الخوفُ على مستقبلها.
كراهية ترامب جزء من المعزوفة القديمة التي بان كذبها والتي تتعلق بكراهية أميركا. شعار رفعه ثوريو العالم العربي وشحنته إيران من أجل أن نعمى عن رؤية الواقع.
ترامب هو رجل الواقع الذي لن تسممنا أحلامه الخفية. ليس لديه ما يُخفيه. وهو ما يُشعر القوى التي لا تزال تراهن على “شرعية” و”شريعة” الظلام بالقلق.