فاروق يوسف يكتب:
الفساد الطيب وظاهرة التدين
سياسيو العراق كلهم متدينون. هذا ما تقوله صورهم. هم في الوقت نفسه فاسدون. ذلك ما تؤكده أرصدتهم في المصارف وممتلكاتهم العقارية. هل هناك تناقض بين الصفتين؟
البعض ينفي صفة التدين عن أولئك السياسيين خشية منه على تلك الصفة من أن تتسخ وتتشوه وتلحق بها السمعة السيئة. أما صفة الفساد فلا أحد ينفيها، لا لشيء إلا لأنها تنتمي إلى ذلك النوع الخفي من السلوك. اما التدين فإنه سلوك ظاهر، يمكن المغالاة في التعبير عنه من خلال مشاركة الشعب في طقوسه الجنائزية.
وإذا ما كان المتدينون قد تكاثروا في العراق بما يزيد على الحاجة فما ذلك إلا دليل على رغبة الكثيرين في الانخراط في الحياة السياسية ومن ثم المساهمة في الحملة الوطنية للفساد. صار التدين أكثر الطرق يسرا للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية.
أن تكون سياسيا في العراق فذلك ما يفتح أمامك أبواب الثراء السريع.
وفي ظل هيمنة الفساد ليس هناك ثراء مشروع في العراق. فهل وجد الأثرياء الجدد في الدين غطاء لمشروع فسادهم؟
بشكل عام فإن العراق دولة دينية ينخرها الفساد. وهو ما لا يزعج أصحاب العمائم البيضاء والسوداء على حد سواء. بالرغم من أن الفساد يحتل الصدارة موضوعا للحديث في المجالس.
بشكل عام أيضا فإن هناك من ينفي دينية تلك الدولة ما دام الفساد يشكل ركيزتها الأساسية. من وجهة نظرهم فإن التدين يحرم السطو على المال العام ولا يحث على الفساد. وهي نظرية لا تجد في سلوك المؤسسة الدينية ما يسندها.
كان رأي مؤسسة الازهر بداعش حاسما في ذلك الموضوع.
هو الرأي ذاته الذي يتبناه فقهاء الشيعة في ما يتعلق بالفاسدين والفساد في العراق.
التدين شيء والقتل شيء آخر، بالنسبة للأزهر.
التدين شيء والفساد شيء آخر. بالنسبة لفقهاء العراق.
ولكن الفاسدين في العراق يبررون جرائمهم الاقتصادية من خلال اللجوء إلى وقائع ومرويات دينية. وهو ما فعله الدواعش في تبرير القتل.
رئيس الوزراء العراقي الجديد يخرج في مواكب العزاء الحسيني مرتديا زي زعيم قبيلة ليوزع الطعام على الالاف من البسطاء والفقراء الذين خرجوا هائمين على وجوههم من أجل احياء طقس ديني، يعرف الرجل الذي درس الاقتصاد السياسي في باريس كما هو معروف أنه نوع من العبث.
ذلك الرجل يعرف أيضا وبالأرقام ما تكلفة ذلك الطقس العبثي في بلد يعاني من غياب الخدمات الأساسية بسبب نقص في الأموال.
إنه يلوح بفساده اللاحق لكن من خلال تدينه السابق.
أعتقد أن حدود اللعبة باتت واضحة أكثر مما يجب. فالمسالة لا تتعلق بالدين، لا من قريب ولا من بعيد.
المتدينون هم فئة من البشر اخترعها الإسلام السياسي من أجل أن تنفذ مشاريعه في تدمير مجتمعات ساكنة ومنعها من الحركة، خوفا من خروجها من مرحلة السبات العقلي.
لا مجال هنا للعودة إلى المفاهيم النظرية. هناك واقع يصنع تاريخاً غير قابل للتأويل. واقع ينوء بحقائقه الثقيلة.
فبدلا من الزهد والتقشف والتخلي عن مباهج الدنيا وغرورها شيد متدينو العراق الذين هم حكامه امبراطوريات مالية يقف أمامها قارون والنمرود وفرعون مذهولين، فارغي الايدي وحفاة.
لقد فاق متدينو العراق في ثرائهم تجار المخدرات والسلاح والمتاجرين بالرقيق الأبيض والأسود عبر التاريخ.
وليس من باب التكهن القول إن أولئك المتدنيين لم يجدوا ما يمنعهم من الاتجار بالمخدرات والنفط المسروق والسلاح والبشر عن طريق الخطف مقابل الفدى.
التدين في العراق ظاهرة خطيرة وما المؤسسة الدينية الرسمية إلا واجهة لتلك الظاهرة التي حطمت مستقبل أجيال من خلال الانحراف بها تطبيعا للفساد الطيب.