فاروق يوسف يكتب:
حروب إعلامية من أجل ربيع اخواني
هناك مَن يسعى إلى إعادة تأهيل جماعة الاخوان المسلمين وذلك من خلال رد الاعتبار إلى الربيع العربي الذي فقد الكثير من سمعته على المستوى الشعبي بعد أن كانت الشبهات قد أحاطت به منذ بداياته على مستوى محدود.
وما يثير الريبة أن ذلك المسعى يحظى بكثير من الدعم من قبل دوائر غربية أظهرت قدرا لافتا من التردد في اتخاذ القرار المناسب يوم فقدت الجماعة المذكورة السلطة في مصر. وهو ما يجعل الربط بين حماستها للربيع العربي باعتباره نهاية لعصر الاستبداد وتبنيها للإخوان باعتبارهم سادة العصر العربي الجديد نوعا من البداهة.
فما سمي بالربيع العربي لم يكن في حقيقته إلا ربيعا إخوانيا. ذلك ما يمكن أن نستشفه من الحراك المحموم الذي يتذرع بانحراف الربيع العربي عن طريقه ويتباكى في الوقت نفسه على المصير الذي انتهت إليه الجماعة الدينية المتشددة.
كما أن هناك قناعة سائدة بين تلك الأوساط التي تدعم فكرة ضخ دماء جديدة في هيكل جماعة الإخوان المتداعي مفادها أن الإرادة الشعبية المصرية ما كان لها أن تحتفظ بقدرتها على المقاومة والصمود بعد أن قوضت حكم الإخوان لولا الدعم غير المحدود الذي قدمته المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الموقف الحازم الذي اتخذته السعودية والامارات من الجماعة باعتبارها تنظيما إرهابيا ووضع كل مَن يتعامل معها أو يروج لفكرها ضمن دائرة المساءلة قد غير المعادلات التي كانت قائمة على أساس فرية "شرعية الحكم الاخواني وانقلاب السيسي".
لقد اكتسب الحكم الجديد في مصر شرعية مزدوجة مصدرها إرادة الشعب المصري والقبول العربي. تلك شرعية صار التشكيك بها صعبا على مستوى رسمي لذلك أنيطت تلك المهمة بمنظمات وجماعات تختبئ وراء شعارات وعناوين ذات صبغة مدنية وحقوقية صارت تركز على أن الثورات تمت سرقتها من أجل إعادة انتاج أنظمة الاستبداد التي سقطت بطرق، لم يحن الوقت للكشف عن ألغازها.
بالنسبة للأطراف التي ترعى مهمة إعادة البريق إلى الربيع العربي فإنها ترى أن ذلك الربيع لم يصل إلى أهدافه بالرغم من أنه كان مناسبة لانبعاث أكبر حشد من الشياطين في التاريخ البشري من العالم السفلي وتمكينه من التحكم بمصائر الشعوب وقلب معادلات ومفاهيم الحياة السوية وتدمير القيم الأخلاقية السوية وتعريض حياة الملايين من البشر للخطر.
كان المطلوب أن تكون تلك الفوضى بكل ما تضمنته من جرائم ضد الإنسانية تمهيدا لصعود جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها القوة السياسية الوحيدة لضبط ما يجري من صراعات بين تنظيمات وجماعات إرهابية تدين لها بالولاء والطاعة. كانت جماعة الإخوان هي الحل. وهو ما عبر عنه الكثيرون من خلال رفعهم لشعار "الإسلام هو الحل" وكان ذلك الشعار قد انطوى على قدر هائل من التضليل.
كانت هزيمة الإخوان في مصر ضربة موجعة لتلك الجهات غير أن ما فعلته السعودية والإمارات حين أرسيتا مبدأً جديدا في التعامل مع الإخوان من جهة كونهم إرهابيين كان بمثابة عقاب لم يكن متوقعا. بسببه ألغيت خطط لتستبدل بخطط جديدة، وضع أصحابها نًصب أعينهم شن حملات شرسة على السعودية والامارات وليس الاكتفاء بمصر التي لم تعد وحيدة.
هناك حرب خفية ومعلنة، شعارها الظاهر حقوق الإنسان والحريات في الدول الثلاث غير أن هدفها الجوهري يكمن في محاولة إعادة الإخوان إلى الحياة السياسية من خلال اظهارهم بصورة الضحية. وهو ما صار مضحكا بالنسبة للإنسان العادي الذي لم يعد جاهلا بما ينطوي عليه المشروع الاخواني من شر وانحطاط وتخلف ونزعة ظلامية.