فاروق يوسف يكتب:

هزيمة اخوانية مؤكدة

دخل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إلى القضايا السياسية العربية باعتباره شريكا مساهما من بوابة الوضع الإنساني في غزة.

يومها لم يلتفت أحد إلى شيء ما من شأنه أن يثير الشبهات في العلاقة بين الاخواني اردوغان وحركة حماس الفلسطينية التي هي فرع من فروع جماعة الاخوان المسلمين.

لم يكن موقف اردوغان مما كان يحدث في غزة قائما على أساس إنساني بل كان نوعا من الاستثمار السياسي المخطط له سلفا في أرض اختطفها رفاق عقيدته.

بسبب كسل النظام السياسي العربي يومها سُمح للعثماني المعتق أن يلعب دورا لا ينسجم مع ما هو مسموح له في القانون الدولي. حيث بدا للكثيرين أنه يتفاوض مع الإسرائيليين في شأن قضية تخلى عنها أصحابها.

وهو دور مخادع حاول من خلاله اردوغان أن ينصب نفسه خليفة لإمبراطورية ظن الكثيرون أنها صورة مستعارة من الزمن العثماني الغابر، في حين كانت تلك الإمبراطورية الوهمية التي تسكن خيال الرئيس التركي هي الدولة الاخوانية التي تقع بين إسرائيل وأوروبا.  

ولقد اتضح في ما بعد أن تركيا التي لم تقطع علاقتها مع الدولة العبرية كانت تحاول من ذلك خلال الاستعراض الضغط على أوروبا متأملة أن يبقى ملف قبولها في الاتحاد الأوروبي مفتوحا. 

غير أن أوروبا بأجهزة مخابراتها كانت تدرك أن الرجل الذي يبتزها كان يُخفي أكثر مما يظهر وأن رغبته في التفاوض معها ليست هي كل الحقيقة فهناك نزعته الاخوانية التي تملي عليه نوعا من الارتباط بالإرهاب وتبعد تركيا أكثر وأكثر عن شروط لانتماء إلى أوروبا.

وحين قامت الحرب في سوريا انغمس اردوغان أكثر في التدخل في الشؤون العربية، لكن تدخله هذه المرة كان أكثر وضوحا من جهة انحيازه إلى الجماعات الإرهابية التي ما هي إلا خلايا اخوانية فالتة.   

لقد فتح اردوغان حدود تركيا مع سوريا لتدخل تلك الجماعات التي تم تسليحها في معسكرات داخل الأراضي التركية إلى الأراضي السورية من أجل أن تساهم في توسيع رقعة الحرب وفي اضفاء طابع ديني عليها.

بدا واضحا يومها أن الهزيمة التي منيت بها جماعة الاخوان في مصر يوم انتفض الشعب عليها وأسقط حكمها قد انعكست على سلوك اردوغان إزاء سوريا، حيث صَعدَ من هستيريا مساهمته في الحرب من خلال زيادة أعداد المقاتلين الذين تم الزج بهم وتدريبهم والسماح لهم بامتلاك المزيد من الأسلحة النوعية المتطورة.

عن طريق تطوير مساهمته في الحرب السورية أراد أردغان أن يعوض الاخوان شيئا مما خسروه في مصر. وكان ينسق في ذلك مع أطراف دولية وإقليمية كانت ولا تزال على صلة عميقة بالجماعة الدينية التي لم تعترف بهزيمتها في انتظار ما ينتج عن محاولات القوى التي تناصرها بالإعلام وتمدها بالمال.

إذا أردنا أن نكون أقرب إلى الحقيقة يمكننا القول إن الرئيس التركي من خلال تدخله في القضايا العربية مزج طموحاته في اطلاق العنان للحاكم المطلق الذي يعيد بناء تركيا على أسس دينية ورغبته في أن يكون له دور تاريخي في إعادة انتاج جماعة الاخوان المسلمين التي يؤمن بعقيدتها.

عن طريق ذلك المزج سعى اردوغان إلى تكريس نفسه متحدثا مخولا باسم الاخوان وهو ما جعله يندفع بطريقة هوجاء في مسألة مقتل جمال خاشقجي، متصورا أن موقفه سيؤدي إلى أن تتخلى المملكة العربية السعودية عن موقفها الثابت من جماعة الاخوان، باعتبارها تنظيما إرهابيا.

الواضح أن اردوغان قد خسر تلك المعركة.

فالسعودية لم يتزعزع موقفها من مسألة الاخوان. فإن كان خاشقجي اخوانيا فهو بالدرجة الأولى مواطن سعودي. لذلك فإن مسألته يتم النظر فيها في إطار القوانين السعودية. ولن يتمكن كائن من كان على اجبار السعودية في أن تشركه في تلك المسألة.

لقد حاول اردوغان أن يبتز السعودية مثلما فعل في وقت سابق مع أوروبا من خلال حشود اللاجئين السوريين التي اتخذ منها وسيلة للضغط غير أن السعودية افشلت محاولته، حين وضعت كل شيء في إطار قانوني.

يمكن النظر إلى هزيمة اردوغان الحالية باعتبارها جزءا من رصيد جماعة الاخوان في مسلسل هزائمها الذي سيفضي بها مضطرة إلى التسليم بهزيمتها النهائية.