فاروق يوسف يكتب:
كبار وصغار
لا يخفي عدد من الفنانين العرب غرورهم، ولأنني لا أرى في الفن سببا مقنعا لذلك الغرور، يمكنني القول إنهم مغرورون بالسليقة. الغرور هو ليس من صفات الفنان الحقيقي، لم يكن ماتيس على سبيل المثال مغرورا، كذلك الحال بالنسبة لكبار فناني عصرنا، الفاتحين الذين تركوا بصمات شاخصة في التاريخ الفني.
أتذكر من سيمون دو بوفوار في سيرتها قولها إن جياكومتي كان يختفي من الحانة في سان جيرمان، وحين يعثرون عليه جالسا على رصيف مجاور يجدونه يبكي لشعوره بالعجز عن بلوغ ما يحلم به. لم يكن آرثور رامبو وهو يعمل في الحبشة يفكر في الشاعر العظيم الذي كانت الأوساط الأدبية تحتفي به في باريس.
حين انزلقت على سلالم المدينة القديمة بطنجة برفقة عارف الريس ذات يوم لم أكن أشعر أن الرسام اللبناني كان ينظر باستعلاء إلى الناس، كونه فنانا مشهورا، كان رجلا عابرا مثله مثل الآخرين، ذلك ما يفتقر إليه سلوك عدد من رسامينا الذين يتعالون على الآخرين وفي الوقت نفسه، فإنهم يظهرون الكثير من الضعة حين يشاركون في تظاهرات وورش فنية لا تليق إلّا بهواة وجدوا في الرسم وسيلة للتسلية وقضاء الوقت.
هناك تناقض واضح، غير أنه في الحقيقة ليس تناقضا، بل هو إفصاح عن حقيقة أولئك الأشخاص الذين حاولوا عن طريق الغرور التغطية على ما تنطوي عليه نفوسهم من ضعة.
أعتقد أننا في حاجة إلى قدر من المراجعة في ما يتعلق بالكثير من الأسماء التي يمتلك أصحابها القدرة على التلون والمراوغة والخداع، فإذا كان الفنان الحقيقي لا يحتاج إلى أن يكون مغرورا، فإنه في الوقت نفسه أكثر الناس بعدا عن السلوك الوضيع الذي يسيء إلى نبل الفن وعلوّه. الفنان الحقيقي هو الذي يضع نفسه في المكان اللائق بها، لا يعليها على الآخرين ولا يبتذلها، صورته تهمنا، تهمّ مَن يرى أعماله ويقيّمها.