فاروق يوسف يكتب:

سلطنة عُمان تفتح صفحة جديدة في المنطقة

ما يصدر عن سلطنة عُمان قليل، بل هو أقل من أن يفتح الباب على تكهنات قد لا تكون في معظمها صائبة.

 السلطنة في حد ذاتها لغز، لذلك فإن مَن يشاء النظر إلى سياستها من جهة ما يُفترض أنه وضوحها فإنه قد يرتكب أخطاء كثيرة، بما ييسر عليه القبول بسوء الفهم باعتباره حلا وسطيا.

لمَ لا نصدق مثلا أن السلطنة تلعب دورا مباشرا في التأسيس لانقلاب جوهري في النظر إلى القضية الفلسطينية والتعامل معها؟

الفلسطينيون أنفسهم لم يحتجوا على اللقاء العلني بين السلطان قابوس ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مسقط. ألأن الأمر لا يعنيهم؟ كيف؟

الزيارة كانت رمزية. ربما لم يكن هناك جدول للمباحثات. وربما لم تكن هناك مباحثات أصلا. ما تحقق من تلك الزيارة يفوق في أهميته ما يمكن أن تنتجه مباحثات من أي نوع.

أنهت السلطنة من خلال تلك الزيارة ما هو مسكوت عنه من علاقات، تميزت بطابع السرية والخفاء وحققت إسرائيل من جهتها تقدما في اختراقها السياسي لما كان إلى وقت قريب نوعا من المحرمات. لقد وصل الجانبان إلى موقع، يتخطى مسألة التطبيع الشكلي إلى ما يمكن أن يُسمى بـ”تبادل الخبرة في ما يتعلق بالمحتوى”.

ذلك كله يقع في إطار العلاقة بين طرفين، عربي وإسرائيلي، لا يمكن أن يتغافلا عن خطوط التماس التي تقف بينهما، والتي تشكل القضية الفلسطينية عصبها الحساس الذي هو بمثابة جرح تاريخي.

صحيح أنه ليس لدى سلطنة عمان ما يمكن أن يشكل مشروعا خاصا للحل تطرحه على إسرائيل، كما أن إسرائيل من جهتها لا تملك سوى ما هو معروف بالنسبة للقيادة الفلسطينية، غير أن الصحيح أيضا أن الطرفين يملكان تصورات سياسية بديلة، يمكن من خلالها القفز على المسلمات بحثاً عن مخارج لوضع عبثي، لم تعد المنطقة قادرة على تحمل نتائجه.

لا يتعلق الأمر بالواقعية السياسية بقدر تعلقه بالعقلانية. لذلك فإن الأمر المرجح في ظل الغموض السائد أن تكون تلك الزيارة تمهيدا لتحول جوهري في النظر إلى القضية الفلسطينية من قبل الطرفين، العربي والإسرائيلي.

ذلك التحول هو ما تحتاجه المنطقة بأسرها لكي تتجاوز مرحلة الشعارات الزائفة والمزايدات الرخيصة التي عبأت الحياة ألغاما ومتفجرات وانتحاريين وشهداء مخدوعين وضحايا أبرياء، وهي التي منحت الميليشيات والجماعات الإرهابية المسلحة بطاقة مرور لكي تهيمن على المجتمعات وتنسفها من الداخل.

من شأن إسرائيل أن تطمئنّ إلى وضع مستقر يحيط بها لكي تلقي خطوة جادة، تكون على يقين من أنها لن تذهب هدرا.

كان ذلك صلب الموضوع، من وجهة نظري، والذي لم تكن الزيارة سوى الإعلان الرسمي لما تم التفاوض في شأنه بين الفلسطينيين والإسرائيليين من خلال سلطنة عمان.

أما أن يذهب خيال البعض في اتجاه وساطة عمانية بين الولايات المتحدة وإيران من خلال إسرائيل، فذلك ما يتخطى الواقعية السياسية والعقلانية معا.

فإذا ما تجاوزنا سؤالا من نوع؛ هل في إمكان إسرائيل أن تنقذ إيران من العقوبات الأميركية؟ سيكون علينا أن نتساءل؛ أين تكمن مصلحة سلطنة عُمان في استمرار العربدة الميليشياوية الإيرانية في المنطقة لكي تستميل إسرائيل إلى مشروع، لا يمكن وصفه إلا بالمدمر للمنطقة؟

إن استمرار إيران في وضعها الحالي، راعية وممولة للجماعات الإرهابية المسلحة في أربع دول عربية ينطوي على تهديد مباشر للسلام وإقصاء لكل عناصر الاستقرار. وهو ما يتناقض، كليا، مع أفكار السلطنة السياسية وحاجة إسرائيل إلى الشعور بالأمان.

ثم ما الذي يمكن أن تقدمه إيران لإسرائيل من أجل أن توافق على استمرار بقائها في لبنان واليمن والعراق وسوريا؟

علينا هنا أن لا نستخفّ بالعقل الإسرائيلي من خلال مراهقة ثورية لم تحمل لنا سوى الكوارث. فالنظام الإيراني مهما امتلك من أساليب المكر والخداع والدهاء لن يتمكن من إقناع الإسرائيليين بأن وجوده إلى جوارهم سينعم عليهم بأحلام أسلافهم يوم غزا قورش بابل. لا أعتقد أن سلطنة عمان بما تميزت به من سياسة حكيمة يمكن أن تُقْدمَ على أمر ميؤوس منه.

ولم يقدم السلطان قابوس على لقاء نتنياهو إلا ليفتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة.

*العرب