أحمد بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

حينما فتح الأكراد لنا بابهم وامتنع "بعض" العرب عن ذلك!

 سبق لي ان كتبت مرة واحدة في الشأن الكردي , واعربت عن تعاطفي الشخصي مع القضية الكردية ليس لأن " الظلم " هو العامل المشترك الذي نتجرع مرارته  معا , وانما لأن لدي موقف شخصي مبدأي من قضيتهم الوطنية باعتبارهم " قومية " يحق لها أن تعيش في وطن مستقل كما هو حق مشروع لأي قومية أخرى في العالم , وعلينا ان نتذكر كعرب اننا نتقاسم 22 دولة عربية مستقلة ولا يسمح البعض منا لقومية عريقة مسلمة هي القومية الكردية ان تكون لها دولة واحدة مستقلة ! انها حقيقة صادمة تصفع كل من يدعي ان لديه ثقافة تعايش وقبول او حتى انسانية . فمن المؤسف حقا أن نصف هذ الظلم والاجحاف الذي يتعرض له الأكراد منذ عقود مضت يأتي من خلال قوميتنا العربية التي تتعامل معهم بنوعية من الاستعلاء والوصاية .. ولا اعلم في الحقيقية على ماذا هو الاستعلاء ؟ وماهي مشروعية الوصاية ايضا ؟!

    كان صديقي الكردي الثائر جدا دشتي المنتمي الى حزب المرحوم الزعيم جلال طلباني , يخبرني عبر الهاتف أن السيد / دلشاد برزاني رئيس الممثلية الكردية في المانيا متواجد في برلين ويرحب بزيارتي لهم في مكتبهم , وكنت اعلم ان السيد دلشاد هو شقيق الزعيم الكردي المعرف مسعود برزاني ..وحينها تساءلت بمرارة لماذا لا نجد من مختلف السفارات العربية في برلين قليلا من هذه الدبلوماسية ودماثة الأخلاق الكردية , خاصة وأن لا مصلحة منظورة في المدى القصير على الأقل للأكراد معنا , وهم الذين تشغلهم قضيتهم الوطنية بتعقيداتها الى حد كبير , وهم الذين ايضا عليهم تحسس الارضية السياسية التي يسيرون عليها بحسابات المصلحة اولا واخيرا .

     كان الاستقبال رائعا ومضيافا .. وأبدع السيد / دلشاد في الحديث عن القضية الكردية بكل ابعادها وتعقيداتها وطموحاتها وآمالها المشروعة , وبدا لي وهو يتحدث عن قضيته ان هناك نسبة تطابق 100 % مع كل ما عاناه الجنوب " الدولة " مع نظام الجمهورية العربية اليمنية في تجربة الوحدة اليمنية " الكارثة " علينا , وكان هو يعلم تماما نسبة هذا التطابق على اعتبار ان الوضعية التي يتحدث عنها هي عبارة عن منتوج ثقافة واحدة .. فكيف بها ان تنتج مخرجات مختلفة وان اختلفت الجغرافيا وهوية الضحية؟!

       اعرب السيد دلشاد عن خيبة امله في الزعامات العراقية التي تقلدت فيما بعد سدة الحكم في عراق ما بعد ال 2003 م , والتي كانت تستقبل في اربيل من قبل الأكراد بحفاوة بالغة , وآمال كبيرة حينما قدمت من الخارج في مرحلة ما بعد صدام , وقال لي اننا صغنا معا رؤية مشتركة لعراق جديد تنازلنا فيه عن وضعية لنا كانت اقرب ما تكون الى الدولة المستقلة , لكن حسن النية التي كانت لدينا تسببت في كل ما عانيناه بعد ذلك ولازلنا نعاني منه حتى الان ! واردف قائلا : ان كل ما تم الاتفاق عليه فيما يخص كوردستان لم يطبق شيئا منه على الاطلاق !

    واذا ما قلت اننا في الجنوب نعاني من " اتفاق " كامل مابين مختلف القوى السياسية للجمهورية العربية اليمنية من مؤتمر شعبي عام  واصلاح وحوثيين فيما يخص رؤيتهم للجنوب وقضيته وهم الذين يختصمون على كل شيء من اجل السلطة فيما بينهم ويتفقون فقط على الجنوب ! فقد قال لي السيد دلشاد وزميلة دشتي ان هذا الوضع هو ايضا مستنسخ تماما في العراق ! فجميع منتاقضات السياسية في بغداد التي تتصارع فيما بينها على السلطة تتفق جميعها حينما يتعلق الأمر  بالمسألة الكردية !

   واما على مستوى الجبهة الداخلية الكردية , فانهم ايضا يعانون من نفس الخلافات التي نعاني منها , على الرغم من ان القوى الرئيسية تتفق تماما في الرؤية الوطنية للقضية الكردية , لكن الخلافات السياسية الأخرى تبقى عاملا معطلا في وحدة الأكراد , ناهيك عما تحدث عنه من ان أحزاب " الاسلام السياسي " الكردية تتماهى مع نظيراتها العربية التي لا تعترف اساسا لا بالقوميات ولا بالحدود الجغرافيه لها .

     وعلى كل حال فيبدو ان علاقتنا كجنوبيين مع الأكراد علاقة قديمة , فقد افادني الاستاذ / صالح شايف بأن الدكتور العراقي الكردي المعارض توفيق رشدي , المحاضر في جامعة عدن , قد اغتالته عناصر استخباراتية عراقية في حي المنصورة بعدن , وفروا بعد ذلك الى السفارة العراقية , لكن رجال الأمن لم يقبلوا بهذا السلوك الذي فيه اعتداء على ضيف وفي ارضنا , وحينما رفضت السفارة العراقية تسليم الجناة ,  الأمر الذي اضطر رجال الأمن الى اقتحام السفارة واحضار الجناة الى المحكمة التي نقلت محاكمتهم عبر التلفزيون الرسمي وعلى الهواء مباشرة  ..! و لنا ايضا ان نفتخر ان السيد / جلال طالباني رحمه الله قد قال : ان الدولة العربية الوحيدة التي لم تحاول ان تستخدمنا كمخبرين هي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية .

*مقالة خاصة لـ(اليوم الثامن)