د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

اليمن والحرب المنسية !!

 اليمن تلك الحرب المنسية التي تجاوزت منتصف عامها الرابع دون حسم هل آن الأوان لتوقفها ؟؟ وهل يمكن كبح جماح المليشيات الحوثية وإلزامها بتنفيذ القرارات الأممية من قبل المجتمع الدولي ؟؟
من المبكر جدا الإجابة على هذه الأسئلة في الوقت الحاضر ونجمل ذلك في النقاط التالية :
أولا : إصرار أصحاب الهضبة على الهيمنة المطلقة على سائر اليمن وحكمه بالحديد والنار في محاولة منهم لاستدعاء التاريخ وإعادة عجلته إلى الخلف أكثر من ألف عام و أنهم وحدهم أصحاب الحق الإلهي في الحكم وهم السادة ..وغيرهم الرعية ولتحقيق مآربهم تلك فهم غالبا ما يلجئون تاريخيا إلى دق إسفين الخلافات والثارات بين القبائل اليمنية وسائر المكونات الاجتماعية .
وقد استفادوا من انقسام الو لاءات وتعددها خاصة في " الشمال " حيث أن تلك الأطراف المنقسمة تعودت أن تعمل على مبدأ : " الباطن الخفي " أكثر من "الظاهر البين " والهدف هو التكسب والارتزاق من كل الحروب المشتعلة التي حدثت في اليمن على مر العصور وفي الوقت نفسه تعمل تلك الأدوات القبلية على تغليب الربح على المبدأ الذي يعني في قاموسها هو تحقيق أكبر قدر من المال من أطراف الصراع الإقليمية والدولية التي تدير دفة الحرب في اليمن وشعار تلك القوى بات معروفا "بالنهار جمهوري " وبالليل ملكي " وهذا تكرار لما حدث لثورة 26 سبتمبر عام 1962 م حتى عام 1970 م .
وهذه جينات وراثية متأصلة في القبائل "الشمالية" منذ غزو أبرهة الأشرم لليمن عندما توزعت ولاء آتها بينه وبين سيف بن ذي يزن الحميري !!
وبرزت هذه الآفة بشكل واضح عند دخول الأتراك اليمن فقسم معهم وقسم ضدهم .
واليوم يبدو المشهد أكثر وضوحا حيث تنقسم القبيلة اليمنية إلى قسمين :
قسم مع الشرعية.. والقسم الآخر مع الحوثيين وهذه العملية التبادلية مسموح بها في العرف القبلي ( الشمالي ) فالأب مع جهة.. والابن مع الجهة الأخرى وشعارهم في ذلك هو : ( من فاته اللحم ما فاته المرق) !!
والهدف في النهاية هو أن كل طرف يحمي ظهر الطرف الآخر خاصة عندما تضع الحرب أوزارها هذا في الجانب القبلي !!
ثانيا : في الجانب الحزبي يتجسد هذا الانقسام في الأحزاب السياسية فحزب الإصلاح مثلا: قسم منه يتدثر بعباءة الشرعية ويحتمي بمظلة التحالف وقسم آخر يتربص بالجميع وينتظر على من تدور الدائرة في حرب اليمن وفي الوقت نفسه يستوطن الفنادق في تركيا ويستثمر أمواله فيها ويطل علينا إعلاميوه من على شاشة الجزيرة يحللون وينظرون كل مساء وعندما تحين الفرصة المناسبة سيقفزون في سفينة الناجين .
أما قسم آخر من الإصلاح فهو يعمل بشريحتين شريحة مع الحوثيين وأخرى مع المقاومة وهو يخذلها أكثر من أن ينصرها وظهر ذلك في جبهات : نهم والبيضاء ومأرب والجوف وهذا هو اخطر أقسام الحزب حيث انه لا يتورع بالتحالف مع الدواعش والقاعدة ويشرف على أعمال الاغتيالات والتصفيات الجسدية لكل الهامات الوطنية وخاصة في الجنوب .
وسير عشرات من فرق الموت تحت شعار (بنادقنا للإيجار وليست للمبادئ )!!
ثالثا : سعت الحكومة الشرعية لجذب المؤتمر خارج عباءة الحوثيين ولكن الحقيقة أن المؤتمر تحول إلى أداة طيعة في يد الحوثيين خاصة بعد مصرع الرئيس السابق (صالح ) الذي تمزق الحزب بعد مصرعه وتشرذم إلى عدة تيارات وأجنحة وتعارضت الأهداف وتباينت الرؤى واختلفت المصالح وأصبح من الصعب استعادة دوره السابق في الحياة السياسة اليمنية .
رابعا : شكلت الحرب في اليمن نعمة مالية ضخمة للمقاولين الأمريكيين والبريطانيين في قطاع الدفاع عندما فاضت خزائن شركات مثل :
( ريتنون ) و (جنرال واينا ميكس ) و ( بي إيه أي سيستمز) بعشرات مليارات الدولارات بفضل مبيعات الأسلحة !!
خامسا : إن تعسر الحل وحسم الحرب في اليمن لا يعود فقط إلى الطبيعة الجغرافية المعقدة لليمن الشمالي ..بل إلى وجود أطراف أخرى في الحرب محلية وإقليمية ودولية تفضل الوصول إلى حل سياسي والعمل على إطالة أمد الحرب التي أدت إلى كوارث إنسانية ومن ذلك :
انتشار الأمراض والأوبئة والتشرد والخسائر المروعة في صفوف المدنيين مع مختلف تداعيات الحرب الإنسانية كما أفرزت تلك الحرب انتشار العصابات المسلحة مهمتها إطلاق النار بشكل فوضوي عشوائي وعرقلة أي مشاريع تطويرية في المناطق المحررة حتى أصبح الإنسان يخشى الخروج من بيته في عدن ولا يضمن سلامة نفسه وأهله ويعثر الناس كل يوم على العديد من الضحايا ويقيد الجرم ضد مجهول !!
كما انتشرت أعمال السرقة والبلطجة وترويج الخمور وبيع الحشيش والحبوب المخدرة والتي لم تكن معروفة في عهد الرفاق ولا في عهد "صالح" وتنتشر هذه الآفات في غياب الحكومة الشرعية الغير موجودة في الساحة اليمنية فمن المسئول عن ذلك كله ولازال المجرمون طلقاء في عدن .
وفي ظل هذه المشاهد المأساوية وردود الأفعال الإقليمية والدولية الغاضبة فان المنطق السياسي يقتضي الحكمة لان حسم هذه الحرب المعقدة عسكريا أصبح من المستحيلات رغم أن مسئول عربي في التحالف قال :
(نعتقد أننا لا نزال بحاجة إلى مزيد من الضغط العسكري على الحوثيين) مشيرا إلى أن النصر في الحديدة سيغير قواعد اللعبة !!
سادسا : فشل الجنوبيون في إدارة المناطق المحررة كما فشلوا في توحيد صفوفهم لمجابهة التسويات القادمة في حين تمكن الحوثيون من طي كل التيارات السياسية والحزبية والقبلية تحت جناحهم في المناطق التي يسيطرون عليها بينما فشل الجنوبيون حتى في توحيد رؤيتهم للحلول القادمة ..ولازالت أطراف كثيرة منقسمة على نفسها !!
سابعا : إن الشعب اليمني شمالا وجنوبا وأشقائهم في الجزيرة العربية والخليج العربي يتطلعون جميعا إلى نهاية لهذه الحرب الدامية في اليمن التي يستفيد منها عدوهم التاريخي "إيران" يجب أن تنتهي لكن لا ينبغي أن تنتهي بميلاد " حزب الله " في جنوب الجزيرة العربية على البحر الأحمر ليسير في ركاب حزب الله شمالا على ضفاف المتوسط .
وختاما نقول لتجار الحروب كفاكم متاجرة في دماء الشعب اليمني المقهور .
كفاكم كذبا ونفاقا وتزلفا للمليشيات التي لازالت تعيش خارج مسارات التاريخ
اتقوا الله وكفاكم متاجرة بدماء الأبرياء.
د . علوي عمر بن فريد