فاروق يوسف يكتب:
تكلفة الاخوان العالية
لم يشهد التاريخ المعاصر حملة دعائية للدفاع عن جماعة سياسية أكبر من الحملة التي تجري الآن للدفاع عن جماعة الاخوان المسلمين.
لقد أنفقت حتى الآن أموال هائلة في عملية شراء صحف واقلام وفضائيات وأفواه ومتظاهرين وأيد مرفوعة وهتافات.
وإذا ما كانت جماعة الاخوان تصنف وفق القاموس السياسي باعتبارها جماعة يمينية فإن بعض اليساريين العرب تقدم صفوف المدافعين عنها.
وكان من أشد الأسباب مدعاة للعجب أن تجري تلك الحملة تحت شعار الدفاع عن حرية التعبير الذي يجب أن تتمتع بها جماعة لا تؤمن بالحرية ولا بالتعبير أصلا. بل هي تقف ضد الحرية والتعبير عنها معا.
وقد يكون مثيرا للتساؤل أن الدول التي مولت تلك الحملة وجندت الأقلام والصحف والفضائيات في خدمتها لا تسمح لجماعة الاخوان في العمل على أراضيها.
وضعت شركات الدعاية العالمية التي تم توظيفها لذلك الغرض مصر في الهدف، باعتبار حكمها حقا شرعيا للاخوان. وهو حق مفروغ منه ولا يقبل النقاش بالنسبة لرعاة الحملة.
هناك شركات عالمية للعلاقات العامة لم يعد لديها شغل سوى تشويه سمعة الدول التي نبذت جماعة الاخوان واعتبرتها جماعة إرهابية ومنعت التعامل معها أو تمويلها.
وبعد ما كانت الجماعة الدينية المتشددة تراهن على شعبيتها وسيلة لفرض سيطرتها على المجتمع ومن ثم الوصول إلى السلطة صارت اليوم تعتمد على شركات الدعاية وشركات العلاقات العامة، ظنا منها أن ذلك سيمهد الطريق أمامها لا للعودة إلى الحياة السياسية بل للسيطرة على تلك الحياة من موقع الحاكم الذي يستند إلى جدار صلب.
في كل الأحوال فإن كلفة جماعة الاخوان كانت باهظة دائما.
ولأن الاخوان جماعة دينية متطرفة فإن وقوف مؤسسات عالمية غير متدينة بل وتناصب الدين العداء وراءها أمر يثير الشكوك.
وهنا ينبغي اخراج المسألة من إطارها الديني. فـ"الاخوان" حزب سياسي وهم أيضا شركة للخدمات العامة. ليس أدل على ذلك من أن جماعة الاخوان كانت المدرسة التي تخرج منها سادة الإرهاب الذين تم توظيفهم من قبل أجهزة عالمية لتأسيس جماعات مسلحة اتخذت أسماء مختلفة وكانت مهمتها نشر الفوضى في العالم العربي من خلال إقامة ولايات إسلامية هي عبارة عن بؤر للانحطاط والتخلف والظلامية والانهيار الأخلاقي بكل صوره.
كانت جماعة الاخوان دائما في قلب المكيدة التي نُصبت لشعوب المنطقة.
ولهذا يمكن القول إن الخدمة التي قدمتها جماعة الاخوان للمؤسسات الاستخبارية التي كانت ولاتزال ترعى مشروع "العربي القبيح" لم تقدمها أي جماعة أخرى.
لقد روضت الجماعة دولا في المنطقة ووضعتها في خدمة ذلك المشروع.
هناك اليوم مسؤولون كبار في تلك الدول يدافعون عن حق الاخوان في أن يغزوا مصر وتونس وليبيا. مثالهم في ذلك ما فعلته إيران حين غزت بميليشياتها العراق ولبنان واليمن وسوريا.
كان الاخوان يركزون في ما مضى على لعبة "السعودية السنية التي تقف في مواجهة إيران الشيعية". وهي لعبة استهوت إيران غير أن السعودية نبذتها لشعورها بسخف وتفاهة مضمونها ورثاثة المقولات والدوافع التي تستند عليها. فهي معادلة لا تنتمي إلى العصر الحديث ولا يمكن القياس عليها لبناء قيم إنسانية متطورة.
بسبب خروج السعودية من تلك المعادلة المبتذلة جن جنون الاخوان والدول والمؤسسات العالمية التي تقف وراءهم. لم تعد الهزيمة التي تعرضوا لها في مصر لتشكل إلا جزءا ضئيلا من أسباب الذعر والهلع والاكتئاب الذي أصيبوا به. ما فعلته السعودية ومعها الامارات كان بمثابة الضربة القاتلة.
لقد فوجئ الكثيرون بحجم التعاطف الغربي مع الاخوان. وهو أمر غريب في ظل تضخم ظاهرة "الخوف من الإسلام" التي تشيعها الأحزاب اليمينية الشعوبية الصاعدة في الغرب وتستخرج منها شعاراتها الانتخابية.
الرئيس الأميركي ترامب هو جزء من تلك الظاهرة غير أن هناك في ادارته حشودا من الموالين للاخوان والمدافعين عنهم. وهو ما انتبه إليه ترامب شخصيا وصار يقوم بحملات تنظيف مستمرة.
كل تلك المعطيات انما تشير إلى الدور الخطير الذي كان مخططا لجماعة الاخوان أن تلعبه في حاضر ومستقبل المنطقة. وهو ما يستدعي المزيد من الحذر في محاولة تنوير الناس العاديين من أجل رفع غلالة التضليل الاخواني عن عيونهم ليروا حقيقة ذلك التنظيم المجرم الذي استرخص الدين وسيلة لوضع المنطقة كلها على طاولة التشريح خدمة لأجندات الدول والأجهزة التي تقود اليوم حملة للدفاع عنه.