فاروق يوسف يكتب:

معنى أن لا تُترك السعودية وحدها

ما الذي نريده من المملكة العربية السعودية؟ ولكن في البدء علينا أن نتعرف على تلك الـ"نحن" التي تبدو غامضة بسبب سعتها. فمَن نحن؟

في الماضي كنا نرغب في أن تكون هناك سعودية أخرى، بمواصفات ومقاييس لا تتلاءم مع تاريخ نشوء الدولة السعودية. بمعنى أننا كنا نتمنى أن لا تكتفي السعودية بنزع قشرتها بل والتخلص أيضا من جوهرها.

السعودية الأخرى التي لا تجد تناقضا بين اسلامها وعروبتها.

فإذا ما كانت الجغرافيا قد وهبتها الأطراف فإن التاريخ وهبها القلب. بالنسبة للعرب فإن الأصول والانتماء واللغة والعقيدة والحكاية والاسطورة والشعر والنبوة والفتوحات والألغاز كلها هناك.

كنا ماضيها الذي يود لو يرى من خلالها مستقبله. ولأن السعودية كانت دائما مؤهلة للعب دور خطير في صناعة مصير المنطقة فقد كنا نود لها أن تتغير لتكون في مستوى تلك المهمة العسيرة.

أن لا تحتاج السعودية إلى أحد فذلك يعني انغلاقها على نفسها وضياع فرصة أن ترى حقيقتها في مرآة الآخرين. عقود من الزمن ذهبت هدرا، ضيعت السعودية عبرها قوتها المادية في متاهة عقائد عافها الزمن. فيما كان الغرب مرتاحا لسعودية ليست كما نحب. هي الغصة التي تتبع كل شعور عظيم بالخسران. كان مصدر تلك الغصة قناعة غامضة بأن السعودية ما وجدت لكي تهزمنا، نحن المتطلعين إلى غد عربي يكون بمثابة استمرار لأمسها، غير أنه الاستمرار القائم على البناء والنهضة والتنوير والعقل والتفكير وروح المبادرة الحية.  

ولأن السعودية كانت كتلة هائلة، عناصرها غير قابلة للتفكيك. فقد كان القول فيها يحرج أطرافا ويزعج أطرافا أخرى وليس في نتائجه ما يُسعد. وكنا نقف أجيالا في انتظار لحظة الفرج.

أليس من حقنا أن نأمل ونتفاءل بدلا من غلق الباب على اليأس والتعاسة؟

فالسعودية بلد معطاء. خزانته البشرية تغص بالعلماء والمفكرين والشعراء والفنانين الذين استطاعوا أن يقاوموا التحجر والفكر السلفي ونظريات الاخوان وسوء الفهم الذي وقعت فيه المؤسسة الدينية.

كن لدينا الكثير من الأسباب التي تجعلنا نتعلق بخيط من الأمل.

وها هي السعودية الأخرى تنبعث مستفيدة من إرثها القوي الذي هو مزيج من انتقائيتها السابقة التي بنت علاقات عميقة مع العالم على صعيد اقتصادي ومن فكر شاب يرنو إلى تغليب لغة العصر بكل تحدياتها على الاكتفاء بما هو متحقق. ذلك المزيج هو خلاصة رؤية 2030 التي طرحها الأمير محمد بن سلمان.   

رؤية هي بمثابة إشارة انبعاث وولادة لما يحق لنا أن نسميها "السعودية الجديدة" التي هي أشبه بالدولة ـــ الحدث. فحين تتغير السعودية لابد أن يعم التغيير المنطقة. وهو تغيير عالي الجودة، معروفة نتائجه.

من قصر النظر أن يتم حصر ذلك التغيير بالمدى السياسي. المفاهيم والعلاقات السياسية العتيقة كلها تغيرت في وقت قياسي. هذا صحيح، غير أن الصحيح أيضا أن المعادلات القديمة التي كانت تحكم علاقة مؤسسة الحكم السعودية بمواطنيها ومن خلالهم بالعالم الخارجي قد تعرضت لما يشبه الانقلاب.

السعودية بلد مفتوح للعالم.

ذلك هو الحدث الذي صار عنوانا لدولة جديدة.

هل في ذلك ما يزعج أحدا؟

نعم هناك المتضررون من دعاة الفكر الرث وحملة كتب الماضي ومستثمري الجهل، حالبي البقرة العمياء وتجار الدين والطائفية وسواهم ممن نقشوا بعصا الجهاد تاريخ ارهابهم على شجرة البشرية.

لقد تضرر المرتزقة العالميون حين انقطع المال السعودي عنهم وصار يجري في ما ينفع الناس. كانت تلك فضيحتهم التي أظهرتهم على حقيقتهم كائنات طفيلية تعيش على التخلف والتجهيل والظلام والتدليس والسرقة والتضليل وتجارة الأوهام.

ولكن مقاومة العصر السعودي الجديد لم تنحصر بفقهاء الظلام والقوى الاقليمية التي ترعاهم بل تعدتهم إلى فضاء عالمي صدمنا بموقفه المناوئ لولادة سعودية جديدة.

ليس سرا أن هناك حملة عالمية تقوم بها قوى ومنظمات وجماعات وأجهزة دعاية عالمية ضد السعودية سعيا وراء تشويه سمعتها في هذا الوقت الحساس الذي تفك فيه ارتباطها بماضيها وتحرر مواطنيها من عبء ذلك الماضي وتبدأ مسيرة التحديث انطلاقا من فكرة الاندماج العضوي، الحر والمستقل بالعالم.

هناك مَن يتوجس هلعا من ولادة سعوديتنا، الدولة الحديثة التي حلمنا بها والتي تمتلك كل مؤهلات الريادة والقيادة وفرض التغيير على كل المستويات، لا بقوة المال وحده بل وأيضا بقوة الإرادة التي تسعى إلى إنهاء عصر الشعارات والأكاذيب والتضليل الثوري وفقر الخيال والانتظار على حبل الرجاء وبيع الأماني المعلبة.

وقد يكون من دوافع تفاؤلي أن السعودية قررت أن تكون القوة الأكبر في صناعة الشرق الأوسط الجديد. تلك المنطقة التي تنتظر أن يُعاد أعمارها بعد أن دمرتها الحروب.  

ذلك ما يزعج الكثيرين حول العالم. السعودية اليوم تكافح من أجل أن يخرج الشرق الأوسط من ركام أخطائه بصيغة تختلف عن تلك التي كانت قد وضعته على طاولة التشريح.

إنه شرق أوسط جديد يغادر مستنقع فشله بطريقة نقدية تغلب مصلحة الشعوب على أي شيء آخر.

من حق السعودية علينا أن لا تُترك وحدها وهي تكافح من أجل أن يعم التنوير المنطقة التي غزاها الظلام.