فاروق يوسف يكتب :
لا أحد يشتري صمت اردوغان
أظهر اردوغان جشعه مبتزا من خلال الأزمة التي نفخ فيها الكثير من هوائه بسبب مقتل المواطن السعودي جمال خاشقجي.
كان يحلم بأن يُدفع له لكي يصمت. الآن تبين أن لا أحد يدفع من أجل شراء صمته. ما من شيء يستوجب كل ذلك الصراخ وليس لصمته ثمن يُذكر.
حاول الرئيس التركي أن يتقرب من خلال تلك المسألة من الرئيس الأميركي ترامب فإذا بالأخير يصده ويمتنع عن مجاراته.
الأمر لا يتعلق بالمزاج المؤقت والمتقلب بالنسبة لأردوغان. هناك مزاد اخواني يقيمه الرجل، صار الآخرون ينظرون إليه بحذر وريبة.
ما الذي يريده ثمنا من السعودية التي رفضت أن تدفع؟ ذلك سؤال عكر صفو المحاولة الأردوغانية بعد أن سحبت أوروبا هي الأخرى يدها من الملف الذي تحوم حوله الشبهات.
لم يتوقع الرئيس التركي أنه سيبقى وحيدا في ساحة، غادرها الجميع من غير أن يتركوا كلمة تشي بوقوفهم معه حتى النهاية.
لقد خذله الجميع حين تخلوا عنه لا لشيء إلا لأنه لم يكشف عما يريده صراحة وهو المتهم بمصادرة حرية التعبير في بلاده واعتقال واغتيال الصحفيين.
لم تكن حفلة اردوغان من أجل حرية التعبير إذن. هذا ما يعرفه الجميع من قبل ومن بعد. سجل تركيا أثناء هيمنته على الحياة السياسية ليس مشرفا في ذلك المجال.
لأردوغان مآرب أخرى.
أولا ليس عداؤه للسعودية وليد اللحظة التي انفجرت فيها الأزمة. على الأقل يمكن ارجاع تاريخ ذلك العداء إلى اللحظة التي أعلنت فيها السعودية حربها على جماعة الاخوان المسلمين.
ثانيا الرجل الذي بنى شخصيته على ابتزاز الآخرين مخادعا ومضللا لم يكن غريبا عليه أن يجد في ما حدث فرصة لابتزاز السعودية التي خيبت آماله حين أصرت على وضع المسألة في إطارها القانوني رافضة أن يكون الملف سياسيا.
ثالثا كان في ظنه أن تكون الأزمة باب الفرج الذي سينفتح على الأميركان الذين ساءت علاقتهم بتركيا وبالأخص على الرئيس ترامب الذي صدمه بإبقاء ذلك الباب مغلقا.
مآرب أردوغان كانت مزدوجة.هي مآرب إخوانية بلباس تركي.
لكن اردوغان كان كذلك في كل مرة يظهر فيها على العالم بشخصية اللاعب غير الحذر الذي يسعى إلى تتريك الأزمات الإقليمية التي يكون فيها الإخوان طرفا فيها. لنتذكر أزمة غزة. بعدها الحرب السورية وأزمة اللاجئين السوريين وبعدها مسألة انهاء حكم الإخواني محمد مرسي في مصر.
كان أردوغان حريصا على أن يخرج من تدخلاته الصبيانية رابحا، من غير أن تؤثر عليه الهزائم مثل الدرس الذي تلقاه من الرئيس الروسي بوتين يوم اسقطت الطائرة الروسية بالنيران التركية.
مد اردوغان يومها يده ذليلا إلى القيصر الروسي وعينه لم تفارق راعي البقر الأميركي.
تلك لعبة تستهوي أردوغان شخصيا عارضا من خلالها خدماته على التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي لا يزال يحظى برعاية وتمويل لا يمكن الاستهانة بهما من قبل قوى إقليمية مدعومة بمنظمات ضغط وأجهزة دعاية عالمية لا تزال تراهن على إمكانية أن يُعاد تأهيل الربيع العربي بما يعيد لجماعة الاخوان حظوتها الشعبية التي تعرضت للانهيار.
وهنا تكمن مشكلة اردوغان التي قد تؤدي إلى الحاق الضرر بتركيا، كونه الحاكم المطلق الذي تتحمل دولته تبعات سياسته الهوجاء.
فالرجل صار يغلب صفته الاخوانية على صفته رئيسا لتركيا. لربما اعتقد أنه يخدم تركيا عن طريق انتهازية يمارسها مستعينا بعقيدته الاخوانية. وهو اعتقاد أخطأ التوقيت. ذلك لأن الاخوان لم يعودوا جزءا من الحياة السياسية بعد أن تم تصنيفهم إرهابيين من قبل دول لها خبرة عميقة بهم.
هذه المرة يورط اردوغان تركيا في الانزلاق إلى موقع، تكون فيه بمثابة العدو الصريح لآمال دول المنطقة في التحرر من تبعات وتداعيات الإرث الاخواني الذي مثلته منظمات إرهابية سعت إلى نشر الفوضى والفكر الظلامي من خلال الاحتكام إلى شريعة القتل والقهر والتخلف ومصادرة الحريات.
هي إذاً معركة أخرى يخسرها اردوغان الذي لم يتعلم شيئا من خسائره السابقة.