فاروق يوسف يكتب :

لا تستخفوا بجماعة الاخوان فالظلام كله معها

جماعة الاخوان المسلمين ليست حزبا سياسيا حتى يمكن مقارعته، الحجة بالحجة وصولا إلى معرفة أهدافه وغاياته. وهي ليست تنظيما عسكريا حتى تتم مواجهته بقوة السلاح إلى أن يُعلن استسلامه وهزيمته. كما أنها لم تحصر نشاطها في بلد معين لتكون لها الغلبة فيه أو يتم خنقها هناك. تاريخها يؤكد أنها نجت من الموت غير مرة من خلال خلاياها النائمة في أماكن ليست متوقعة.

في حقيقتها فإن جماعة الاخوان متعددة الرؤوس على مستوى نشاطها. فهي تنظيم حزبي متماسك عقائديا ومرن عمليا وهي في الوقت نفسه مجموعة لا حصر لها من التنظيمات المسلحة التي تمارس العنف أينما وجدت مجالا رخوا وهي بسبب عدم ايمانها بمبادئ السياسة الحديثة لا تعير اهتماما للوطنية التي تعتبرها اختراعا غربيا لذلك سعت منذ البدء إلى أن تكون تنظيما أمميا. وهو ما تجلى من خلال التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي اتخذ تسميات مضللة كثيرة كان المصري يوسف القرضاوي يتزعمها دائما.

وليس من باب المبالغة القول إن هناك دولا تتبع من خلال رؤسائها أو رؤساء حكوماتها تعليمات محمد بديع المرشد العام الثامن لجماعة الاخوان في سجنه بعد أن كان أولئك السياسيون قد بايعوه.

ما يلتبس من حملة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على المملكة العربية السعودية يمكن فهم أسبابه بوضوح استنادا إلى تلك العلاقة التي تربط المريد بإمامه. سلطة مرشد الاخوان شبيهة إلى حد كبير بسلطة مرشد الثورة الاسلامية في إيران. وما اردوغان إلا حسن نصرالله وقد تمكن من أن يضع دولة تحت إبطه.

لقد سبقت "الحالة الاخوانية" في المنطقة صعود جماعة الاخوان إلى السلطة في مصر من خلال انتخاب محمد مرسي رئيسا عام 2012 والذي تم عزله بعد سنة بإرادة شعبية. فهناك على سبيل المثال المشير عمر البشير الذي يحكم السودان بروح إخوانية إن لم يكن هو الآخر إخوانيا منظما.

ومن خلال العودة إلى ما شهدته مصر من اعتصامات في ميدان رابعة العدوية عام 2013 فإن الاخوان كانوا يراهنون على قوة موقفهم الدولي في مواجهة النظام الجديد الذي خيل إليهم أنه سيُهزم بسبب الضغوط التي ستمارسها الدول الداعمة لهم. ولم يكن في حسبناهم أن تضمهم المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة إلى الجماعات الإرهابية التي يجرمها القانون ويجرم كل من يتعاون معها ويمولها ويروج لأفكارها.

كانت تلك هي الضربة القاضية التي خسفت الأرض بجماعة الاخوان المسلمين وجعلتها تنظر بيأس إلى إمكانية استعادة المُلك في مصر. غير أن الازعاج لا يزال ممكنا. وهو ما صار اردوغان يمارسه بين حين وآخر من أجل اعلانه عن وفائه للبيعة. وهو اعلان مدفوع الثمن من قبل دولة صغيرة هي الأخرى وقعت في شباك الإخوان من خلال قيادتها منذ سنوات طويلة.

غير أنهم مع الرهان على الازعاج الاردوغاني الممل صاروا يلوحون بمناديل الوداع. ذلك استنتاج غير صحيح. لا لأن إيران وهي الدولة المعادية للعرب منفتحة عليهم حسب بل وأيضا لأن تنظيمهم العالمي لا يزال يعمل بكفاءة عالية ما دامت هناك دولة ثرية قد تكفلت بتمويله.

هناك منتديات هي بمثابة قوى ضاغطة تناصرهم. هناك صور لسياسيين أوروبيين وأميركان من الدرجة الثانية وهم يلوحون بإشارة رابعة. وهناك خزين بشري موزع ين القارات ترعاه وتراقبه في الوقت نفسه أجهزة مخابرات عالمية هي في خدمة الاخوان. 

لذلك فإن الحرب على الاخوان ليست باليسر الذي يتوقعه البعض.

صحيح أن هزيمتهم في مصر وحرمانهم من التعاطف السعودي والاماراتي لا يمكن أن يعوضهما نعيق اردوغان أو نواح إيران أو الترويج التي تقوم به قناة الجزيرة لمظلوميتهم غير أن ما أسسوا له عبر عقود من العمل الباذخ والمريح لا يزال قائما.

في حقيقتها فإن الحرب على الاخوان هي حرب وجود. هم أعدوا لها العدة وما على الشعوب التي ترغب في عدم الخضوع لمشروعهم الظلامي سوى أن تكون مستعدة لتنظيف نفسها من عفنهم. لقد تسللت ثقافة الاخوان إلى أبعد نقطة في الكيان المجتمعي وهو ما يتطلب خططا واسعة لمعالجته.

الاخوان لوثة عقلية ينبغي استئصالها. في هزيمتهم يقظة لشعوب المنطقة وبداية لعصر التنوير.