د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

الاستقلال الضائع واستلاب الهوية الجنوبية (2-2)

تداعيات الانقلاب على سالمين :
- كانت حصيلة انقلاب 26 يونيو عام 1978م كبيرة و أكثر دموية وأكبر عدد من القيادات والكوادر الجنوبية ذهبوا ضحية الانقلاب المذكور .
- كانت التهمة جاهزة لذلك العدد الهائل من الذين تمت تصفيتهم أو أدخلوا السجون والمعتقلات أو فقدوا وظائفهم تحت ذريعة اسمها ( تيار سالمين )
- ظلت تداعيات الانقلاب مستمرة من عام 1978 م حتى بداية إرهاصات أحداث يناير عام 1986م .
- كان من نتائج الإطاحة بسالمين استقواء العنصر ( اليمني ) وتمدده داخل الحزب والدولة الجنوبية إضافة إلى الجناح العسكري في : ( الجبهة الوطنية ) و ( حزب الوحدة الشعبية ) .
- اتساع الهوة بين النخبة الجنوبية السياسية للحزب والدولة وقد أسست تلك الانقسامات لأحداث يناير عام 1986م .
وقد ذكر ذلك " الدكتور سعودي علي عبيد " في دراسة قيمة له فقال :
( بعد إعدام "سالمين "عين الأمين العام للحزب عبد الفتاح إسماعيل رئيسا لمجلس الرئاسة تقليدا لما هو معتمد في البلدان الاشتراكية وبعد ذلك برزت أزمة سياسية ولم يتمكن إسماعيل من الجمع بين الواجبات الموكلة له فتم إبعاده إلى موسكو .
واستعاد الجنوبيون رئاسة الدولة وإسنادها للشخصية الجنوبية ( علي ناصر محمد ) .
- أضاع الجنوبيون استغلال الفرصة المتاحة لهم بالحد من نفوذ ( العنصر اليمني ) في الحزب والدولة كما أضاعوا الفرصة بانقساماتهم .
الإصلاحات الاقتصادية :
في عهد الرئيس علي ناصر محمد تم وضع برنامجا إصلاحيا لمعالجة كافة السلبيات والأخطاء من خلال تنمية حقيقية اقتصاديا واجتماعيا .
وقد ذكر لي صديق سوري وهو شخصية عالية الثقافة كان في مهمة عمل في عدن في تلك الفترة فقال :
( الشهادة لله أنني كنت في عدن في تلك الأيام في عهد الرئيس علي ناصر ولم أصدق ما رأيت من بداية تحسن وازدهار في الحالتين الاقتصادية والاجتماعية وقد لمست ذلك في نواحي عديدة مثل : الأمن والاستقرار وتحسن معيشة المواطنين وتخفيف القبضة الأمنية على المواطنين رغم أن عدن كانت تواجه في تلك الأيام حملات إعلامية شرسة لما يحدث فيها من صراع إلا أنني شعرت أن عهد الرئيس علي ناصر يبشر بخير لو استمر في الحكم ) .
ونحن نقول : انه مع الأسف الشديد لم يلتف الجنوبيون حول الرئيس ناصر وحدث الخلاف والانقسام بينهم ، واستطاع "العنصر اليمني " من جديد التكتل لمحاربة تلك الإصلاحات باستخدام الايدولوجيا لتمزيق الجنوبيين ونتج عن ذلك انقسامات وشروخ بين المكونات الجنوبية للحزب والدولة والمنافسة على المراكز القيادية .
في خضم تلك الخلافات الجنوبية تم استدعاء عبد الفتاح إسماعيل من قبل الطرف الجنوبي المعارض لناصر وقد أدى ذلك إلى تأجيج الخصومة بين الجنوبيين وتمترس كل طرف خلف أفكاره وأطروحاته التي يدعي أنها الحل الأمثل . وبذلك دخل " العنصر اليمني " كطرف في الصراع الجنوبي إلى جانب الطرف المعارض لناصر مما وسع حدة الخلافات في المؤتمر الثالث للحزب .
أحداث 13 يناير عام 1986م :
لقد كانت الأحداث دامية استخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة من البندقية حتى الطائرة والضحايا كلهم من الجنوبيين واستخدمت الايدولوجيا لصالح المنتصر رغم إن الجميع مهزوم في تلك الحرب المروعة التي أسست لسقوط الجنوب دولة وحزبا وأرضا وإنسانا ووقعت في قبضة " العنصر اليمني " تحت ذريعة الوحدة .
ولن ندخل في تفاصيل كيف تمت الوحدة لأن الجميع يعرفها ولكننا سنذكر نتائجها وارتداداتها التي أدخلت الجنوب في انقسامات وولاءات وبيع وشراء الذمم وارتضوا الإهانة لأنفسهم مما نتج عن ذلك وحدة منقوصة لأنها قامت بين مراكز قوى ونفوذ في اليمن وطرف يعتقد انه منتصر في الجنوب رغم انه مهزوم فعلا ثم استخدمت عناصر علي ناصر في غزو الجنوب بعد إعلان الانفصال لضرب جناح البيض .
ورغم مرور أكثر من ربع قرن على تلك الوحدة المسخ فقد نتج عنها ما يلي :
نهب الأراضي في الجنوب وحقول النفط وكافة المنشئات والهيمنة على الثروات الزراعية والسمكية ومفاصل الاقتصاد كاملة في الجنوب وارتفاع نسبة البطالة والتهميش والإقصاء للجنوبيين من الوظائف العامة الأمنية والعسكرية والمدنية كما نتج عن ذلك ارتفاع معدل الجرائم والانفلات الأمني والأخلاقي في اليمن عموما والجنوب خصوصا وعدم القدرة على تحقيق العدل وهذا بدوره أدى إلى ثورة من الغضب الشعبي وبدا كل شخص يفكر بردع الظلم بنفسه والحصول على حقوقه بالقوة وهذا يعني إفشاء الظلم . أو كما قال ابن خلدون : سوء اختيار الأعوان فهؤلاء يضعون الغشاوة على أعين الحاكم وضياع العدل مما يؤدي إلى سقوط الأوطان .
أو كما قال جلال الدين الرومي :
" إن الأمم تموت عندما لا تمتلك القدرة على التمييز بين الحق والباطل "
ويرى المؤرخ البريطاني توينبي :
" إن الدولة تصل إلى مرحلة السقوط والانهيار عندما لا يمكنها التصدي أو الاستجابة للتحديات التي تواجهها "
وأكد على هذه النظرية المؤرخ " ديور انت " الذي قال :
" إن الدول لا تهزم إلا عندما تبدأ في تدمير نفسها من الداخل "
وقد أطلق المؤرخون على تلك العوامل وهي : القمع والإقصاء ورعاية الفساد "ثلاثية الاستبداد " والتي تتمثل في تراكم مشاعر السخط وعدم القدرة على السيطرة على أركان الدولة بالإضافة إلى ارتفاع خط الفقر وانهيار الاقتصاد كل ذلك يؤدي إلى سقوط الدولة وانهيارها وهذا هو ما يحدث اليوم في اليمن .
د. علوي عمر بن فريد