شيماء رحومة تكتب:

عيون العالم على مؤخرة رانيا يوسف

لو أن الممثلة المصرية رانيا يوسف قدمت عملا ناجحا فإنه رغم مسيرتها الحافلة والطويلة ما كان ليفسح لها المجال حتى تتصدر أخبار كل الصحف والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بهذا الشكل.

وفي الوقت الذي ضجت فيه السوشيال ميديا بتوصيفات من قبل “انتهاكا للشرف”.. ”تطاولا غير مسبوق على الأخلاق الحميدة”، نشرت الفنانة صورها على حسابها الرسمي بالإنستغرام مع عبارات “اكسر القواعد وعش حياتك على طريقتك الخاصة".

فعلا كسرت القواعد واختارت كما جاء في وصف أحد المواقع لها معتبرا أن شعارها في المهرجان "محدش بيلبس أوي إلا لما يقلع أوي"، حيث قارن هذا الموقع بين إطلالتها في الافتتاح والتي اتسمت بالغرابة، حيث ظهرت على السجادة الحمراء مرتدية بدلة سوداء مزينة بذيل وكرافت، وبين فستانها الشفاف مع بطانة سوداء داكنة أشبه بالمايوه المكون من قطعة واحدة في اختتام مهرجان القاهرة السينمائي.

وعلى ما يبدو فإن فستان رانيا يوسف، وإن نجح في تسليط عدسات الكاميرات المحلية والعالمية على صاحبته، فإنه عرى أيضا ودون قصد مبيت إخلالا مجتمعيا يختزل شرفه في قطعة قماش.

لا أدين الرأي العام ولا استحسن مظهر الممثلة المصرية لكنني وجدتني منساقة للكتابة حولها لما لمسته من مغالاة في توصيف اعتبر أن ثوبا شفافا تطاول غير مسبوق على الأخلاق الحميدة، وهو نفسه من يقيس فضيلة نسائه بطول أو قصر قطعة القماش التي تلف أجسادهن، ويدين بشدة أي خروج من قبلهن عن نص الأعراف التي تغطيهن من الرأس إلى أخمص القدمين وتعري عقول متشددة رجعية تعتبر المرأة مواطن درجة ثانية.

قال المخترع الأميركي توماس إيدسون “وظيفة الجسد الرئيسية هي حمل الدماغ”، لكنه لم يفكر للحظة أن المجتمعات العربية تضم بين صفوفها عقولا توظف أدمغتها لاستراق النظر فقط إلى مفاتن المرأة، ودون ذلك فهي عاطلة عن العمل البنّاء الذي يرتقي بها إلى مصافّ العظماء.

حقيقة لا أفهم كيف لهذه المجتمعات التي ما فتئت تصدر فتوى وراء أخرى ولا تختص بها من أفراد المجتمع غير المرأة أن تحكم على فنانة اختارت بملء إرادتها وبكامل قواها العقلية أن ترتدي فستانا شفافا، بالمثول أمام المحكمة بجريرة الفسق والفجور ومن ثمة الصفح عنها وسحب الشكوى، بالإضافة إلى محاكمتها محكمة رمزية ارتأت التشهير بها بين الصفحات الرقمية والمكتوبة والمسموعة؟ في حين تغض الطرف عن جرائم الشرف الفعلية التي تنتهك فيها أعراض النساء سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

تحاول المرأة جاهدة لفت الأنظار إليها لا إغراء لمجتمعات ذكورية بل لمعالجة قضاياها العالقة داخل سراديب محاكم الشرف التي تديرها هذه المجتمعات، فقد سبق وأن فصلت مجموعة من النساء ثوبا من حروف بدل قماش وجبن الشوارع واجتزن صدمة المواجهة لغرز قيم جديدة تنطلق من الفكر لا الجسد، فتمت إدانتهن لكن في الآن ذاته كسبن المعركة خارج حدود أوطانهن، داخل بلدان تعتبر حرية التعري ثقافة تمارس دون رادع أخلاقي يحتجزها ويضيق عليها الخناق.

وهنا يدور بخلدي سؤال ما حقيقة انتشار صور رانيا يوسف؟ هل استنكارا أم استحسانا؟ أرى أن الصور تحمل دليل إدانة ليس فقط للفنانة بل وللمجتمع الذي كما يقول المثل التونسي “تندب وعينها في إسماعيل” (كناية عن المرأة التي توفي زوجها وهي تبحث عن بديل أثناء خروج الجنازة).

ما الفرق بين ملابس النساء على شاطئ البحر وثوب رانيا؟ الجامع بينهما أنهما قطعة “مايوه”! إذن لماذا ندين استعارة رانيا لثوب البحر في مهرجان دولي؟

هل الحل فعلا لردع ظاهرة تعري النجمات في المحافل الوطنية والدولية الوقوف أمام القضاء؟ وهل سيصلح ذلك خدش حياء المجتمع؟

طبعا لا لأنه قد يرضي الرأي العام؟ لكنه لا يعالج قضايا المرأة ولا يصالحها مع جسدها، وكدليل على ذلك انتشار مقطع فيديو على تويتر يظهر امرأة تجري عارية نتيجة تطرف ديني يضيق الخناق على الإيرانيات، ولسن استثناء ما دامت عيون عقول بعض الأمة العربية على مؤخرة نسائها.