فاروق يوسف يكتب :

الميليشيات الإيرانية النائمة

"الخلايا النائمة" مصطلح صار دارجا للتعبير عن امتدادات سرية لتنظيمات وجماعات إرهابية داخل المجتمع لم يحن بعد زجها في العمل الإرهابي المباشر، وهي على استعداد للقيام بذلك في أية لحظة.

خطر تلك الخلايا يكمن في أنها تضرب من جهة غير متوقعة وفي توقيت لن يكون معلوما بالنسبة للأجهزة الأمنية. لذلك لا يمكن التنبؤ بالأضرار البشرية والمادية التي تنتج عن الضربات المفاجئة التي توجهها تلك الخلايا.

هي فرق انتحارية منذورة للموت لم تفرغ شحنات كراهيتها يتجول أفرادها بيننا، من غير أن نرى ما تخبئه عيونهم من شرور، هي انعكاس لتربية عقائدية مغلقة على نظرة ثقافية أحادية ترى في المجتمع حاضنة للكفر والفجور.

ولكن الخلايا النائمة تظل أقل خطرا من الميلشيات النائمة.

فالأولى هي ظهير سري لتنظيمات وجماعات إرهابية لم تتمكن بعد من السيطرة على المجتمعات فهي تشكيلات مسلحة مطارًدة، لا يزال في إمكان القانون أن يضع أفرادها في الاقفاص ويحاكمهم ويقتص منهم. أما الثانية فإنها من صناعة أحزاب استولت على السلطة وصارت تدير مجتمعات بثقافتها القتالية كما هو حال حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق وجماعة الحوثي في اليمن. وهي ميليشيات خارجة بسلاحها على القانون تمكنت من فرض قانونها على الدول ومن ثم المجتمعات.

الميليشيات التي تستولي على الدول لا يرتاح لها بال حتى تطبع دولها التي تكون من اختراعها وتخضع لها بشكل مطلق. الامر الذي يسمح لها بإعادة تربية المجتمع في سياق أجندة حزبية قائمة على عقيدة قتالية يكون شعارها "لا شيء أهم من السلاح".

تلك التربية العقائدية هي التي تنتج أجيالا هي عبارة عن ميليشيات نائمة، يمكن أن تستيقظ في أية لحظة لتمارس الدور المطلوب منها في تدمير المجتمعات والتحكم بمصائر أفرادها.

قال الرئيس التركي ذات مرة "نحن نعتمد على الأجيال المقبلة في تنفيذ مشروعنا في اسلمة المجتمع فالجيل الحالي لا أمل فيه".

كان الرجل صادقا إلا في مسألة الأسلمة. ذلك لأن المجتمع التركي هو مسلم في الأساس. إنه يقصد الحاق المجتمع بعقيدة الاخوان المسلمين المغلقة على عزلتها، المعادية للعالم الخارجي.

مقولة اردوغان تلخص السياسة التي تتبعها الميليشيات التابعة لإيران والتي تمكنت من الهيمنة على القرار السياسي في غير بلد عربي.

الأجيال الخاضعة لعمليات غسل العقول التي تمارسها تلك الأحزاب هي نواة "الميليشيات النائمة" التي سيكون عليها تنفيذ المشروع العقائدي القائم على انشاء مجتمعات ظلامية مسلحة ترى في العالم المحيط بها صورة العدو الذي يجب أن تكون علاقتها به قائمة على أساس الحرب الدائمة.

عن طريق تلك الميليشيات النائمة تضمن الأحزاب المسلحة وجودها في مستقبل دول، تبدو كما لو أنها قد وقعت فريسة لحروب هي ليست حروبها غير أنها ستدفع ثمنها الباهظ.

وهو ما خططت له إيران حين زرعت الغامها خارج حدودها.

فأية حرب، ستكون إيران طرفا فيها سيمتد أثرها المدمر إلى دول، لا تربطها بإيران مصلحة مشتركة. تلك دول سُرقت من سياقها التاريخي حين تمكنت عصابات من قطاع الطرق من الهيمنة عليها بما يشبه الانقلاب الذي وقع بالتدريج.

وللتوضيح أكثر فإن الميليشيات النائمة تتكون من الأطفال الذين سُرقوا من طفولتهم ليكون السلاح لعبتهم الوحيدة. أولئك الأطفال سيكونون مادة لمستقبل مظلم، تكون من خلاله الجماعات الإرهابية حية حتى وأن محي أثرها من الواقع.

لقد سمح النظام العربي الكسول بل النائم لتلك الجماعات أن تتغلغل في المجتمعات لتنشئ مدارسها التي تعتمد على تلقين الإرهاب باعتباره الصيغة الوحيدة لممارسة العيش اضطرارا من أجل الوصول إلى غد، يكون الولي الفقيه سيده من غير منازع.

وهكذا فإن اللعنة الإيرانية ستمتد إلى مستقبلنا وهو سبب مضاف لكي نعتبر إيران عدوا لا منافس له في خطره.