صلاح مبارك يكتب لـ(اليوم الثامن):

لماذا الاحتفال بذكرى الهبة

في تاريخ كل أمة أيام مجيدة ومشرقة قادتها إلى العزة والكرامة , حيث تظل هذه الأيام خالدة في ذاكرة الزمن والأجيال ..

وقد سطر الحضارم على مر التاريخ صفحات مضيئة ومجيدة في رفضهم لكل صنوف الظلم والطغيان والهيمنة , وفي العصر الحديث تبرز الهبة الشعبية الحضرمية كواحدة من الأحداث المجيدة التي عاشتها حضرموت من أجل استعادة عزتها وكرامتها وحقوق أهلها .. حيث هب الحضارم في 20 ديسمبر 2013 بإرادة قوية موحدة في اقتلاع جذور الظلم والاستبداد من أرض حضرموت .

ولم تكن تلك الهبة الشعبية حالة عاطفية أو مجرد حالة عرضية بل لها مسبباتها ودوافعها , وكانت ردًا عمليًا على ذلك الاستهتار والاستخفاف والبغي الذي مارسته السلطات الحاكمة آنذاك على حياة الناس سواء في اراقة دمائهم أو استباحة أرضهم والتنكيل بهم ..

ففي عام 1998 صحت حضرموت على جريمة نكراء بأغتيال المقدم علي بن حمد بن حبريش العليي في منطقة الريان بالمكلا بالقرب من معسكرات الجيش و صحت هذه الجريمة المواجع في نفوس أبناء حضرموت جميعًا قبائل وشخصيات اجتماعية ومكونات مدينة الذين تداعو للوقوف أمام ما يحيق بأهلهم من مخاطر وشرور .. لكن صلافة جرائم الاغتيالات تواصلت لتطال قيادات وكوادر حضرموت الأمنية والعسكرية والمدنية , فكان لابد أن يكون لحضرموت ومقادمة قبائلها وأعيانها موقفًا حازمًا لوقف هذه الأعمال الإجرامية وأعلاء الصوت لرفض للانفلات الأمني بكل صوره  والاستخفاف المتعمد بقبائل حضرموت بصورة خاصة وبحق أهل حضرموت بصورة عامة , فعقدت لقاءات عامة عديدة لمكونات حضرموت القبلية والمدنية في (عين ون) ومن ثم أرض العوامر وغيرها من المناطق  بهدف لمّ الشمل والتوحد في رفع الظلم  والمعاناة بمختلف أشكالها والمطالبة باستعادة الحقوق المسلوبة

وقد تصدرت قبائل الحموم ذلك المشهد وبادرت في توجيه الدعوة لمقادمة ومناصب ومشائخ ورجالات حضرموت إلى اجتماع عام في وادي نحب بمديرية غيل بن يمين في 4 يوليو من عام 2013م لمناقشة القضايا التي تهم حضرموت وأبنائها والمرتبطة بحقوقهم في ثرواتهم وأرضهم ,وخاصة ما يتعلق باستكشاف وانتاج النفط ,ومجمل الأوضاع الأمنية المتردية في حضرموت المتمثلة بمقتل عدد من مقادمة القبائل والكوادر العسكرية والأمنية والمدنية ,وما يجري من امتهان وإذلال مقصود ومتعمد لكرامة ابناء حضرموت الشرفاء والمسالمين .ومن ذلك الحادث المؤسف الذي وقع لأبناء الحموم في 14يونيو من ذلك العام, حيث هاجمتهم قوة عسكرية بكل عدتها وعتادها وأطلقت النار عليهم دون أدنى جريمة اقترفوها مما أدى إلى إصابتهم بإصابات مباشرة وبليغة ومن ثم الزج بهم في السجون والاستيلاء على أسلحتهم وسيارتهم وضربهم بأعقاب البنادق رغم إصاباتهم..

لقد كان لقاء وادي نحب في 4 يوليو مشهودًا إذ أخذت قبائل حضرموت زمام المبادرة للدفاع عن حقوق أبنائها وأبناء حضرموت قاطبة .. وحددت عدة مطالب - معلنة – منها تسليم المهام الأمنية في حضرموت لأبنائها العاملين في أجهزة الأمن واعطائهم نصيبهم من العمل في القوات المسلحة والكليات العسكرية المختلفة وتعويضهم عن الإبعاد المتعمد الذي لحق بهم من سابق , واستبدال وتغيير ما يسمى قوات حماية الشركات بحضرموت بقوة محلية من أبناء حضرموت , والتغيير الفوري لقائد هذه الكتيبة بقائد حضرمي واخراج المعسكرات من المدن وإلغاء النقاط العسكرية المستحدثة وغيرها من المطالب الأخرى ,وكان الأبرز في ذلك اللقاء تعاهد شخصيات ومكونات حضرموت القبلية والمدنية على كتاب الله وسنة رسوله بان تكون كلمتهم ويدهم ودمهم واحد حيث اتفقوا ووقعوا على وثيقة حلف فيما بينهم كما اتفقوا تأسيس اتحاد أو مجلس يضم كل قبائل حضرموت كمرجعية لحضرموت ومثل ذلك نقطة تحول جديد في مسيرة النضال من أجل حضرموت الأرض والإنسان والتعاطى مع قضاياها بجدية ووضوح ودون مواربة.. وفي ذلك ساهم الحلف بدور في تحقيق التماسك والتوازن المجتمعي الواعي بحقوقه العادلة والمشروعة ورفع وتيرة الحماس لدى عامة أبناء حضرموت للدفاع عن أرضهم وأعراضهم وحقوقهم .. وبرزت المطالبات والتحركات علنًا في أجواء ازدادت فيه صلف العنجهية والتسلط بصورة مهينة وقمعية , حيث تواصلت بشكل وقح وفض استباحة الثروة والأرض وعمليات الاغتيالات المشؤومة لكوادر وقيادات حضرموت العسكرية والأمنية والمدنية في ظل عجز السلطات آنذاك في ملاحقة القتلة ووقف نزف الدماء , حتى وصل إلى رأس حضرموت المقدم سعد بن حمد بن حبريش في 2 ديسمبر 2013م الذي تعرض  لأغتيال آثم و أثنين من مرافقيه في نقطة عسكرية في مدينة سيؤون  , فتداعت قبائل حضرموت  مقادمة ومشائخ ومناصب وكل مكونات المجتمع المدني للقاء في وادي نحب  لتدارس الموقف وتداعياته ودعوا للخروج بهبة شعبية عارمة في 20ديسمبر من ذلك العام استجاب لها كل شرائح المجتمع ومكوناته وانتفضت حضرموت عن بكرة أبيها في يوم مشهود وتاريخي كسر حاجز الخوف وأثبت الحضارم يومها شجاعتهم وقدرتهم على بسط وجودهم وسيطرتهم فوق أرضهم .

لقد تهاوت عروش الظلم والاستبداد من أرض حضرموت وهذه حقيقة ساطعة لا يمكن أنكارها أو تغافلها , ومن يعرف مواقع استخراج النفط في هضبة حضرموت قبل انطلاق الهبة الحضرمية وكيف كانت تتعامل قوات حماية الشركات حينها مع الأهالي وتسلطها وقمعها وتدخلها في شؤون حياتهم لا يمكن أن يقلل من هذه الهبة المجيدة وبرجالها الشجعان الذين ضحوا وحملوا على أكتافهم اكفانهم حتى نعيش اللحظة والواقع الجديد الماثل للعيان  أمنًا واستقرارًا وأصبحت فيه قوات حماية الشركات والقوات العسكرية والأمنية قيادة وأفراد من أبناء المنطقة ,  وهذا لوحده يكفي أن تبقى الهبة الحضرمية خالدة في وجدان أهل حضرموت وأن يحتفوا ويعتزوا بها .