فاروق يوسف يكتب:

المزاد الاسرائيلي

لم يعد في الإمكان تجاهل وجود إسرائيل في المنطقة. اللعبة القديمة لم تعد تنطلي على أحد. كذبة أدار العرب ظهورهم من خلالها إلى العالم وخسروا الكثير من حقوقهم بسببها.

استعدى العرب العالم كله ضدهم حين رفضوا النظر بعينين مفتوحتين إلى معطيات الواقع الذي صار جزءا من البداهة السياسية في عصرنا.

في مرحلة لاحقة صار العرب، يشهر بعضهم بالبعض الآخر بحجة الاتصالات واللقاءات السرية التي تُجرى مع إسرائيل.

حدث ذلك ولا يزال يحدث بما يشبه المزاد الذي يُراد من خلاله الانحراف بأنظار العامة من الناس في اتجاه مسألة، لم تعد بالنسبة لدول عديدة لتشكل نوعا من الفضيحة.

فالأمر لا يتعلق بالتطبيع الذي هو موقف سلبي، يمكن أن يؤدي إلى نتائج خطيرة من غير أن يكون له في المقابل ما يسدد ثمنه.

كما أنه ليس هناك في التعامل العلني مع إسرائيل ما يلحق ضررا بالقضية الفلسطينية التي سجنها أبناؤها من السياسيين في متاهة لا أحد في إمكانه أن يهتدي إلى سبل للخروج من دروبها.

الثابت في تلك القضية أنه ما من حل لها سوى من خلال التفاوض مع الطرف الإسرائيلي. وليذهب حزب الله وحركة حماس إلى جحيمهما الذي يصران على التهديد به وهما يكذبان بعد أن أحلا عقيدتيهما محل التفكير العقلاني بمصائر الناس وارتضيا أن يكونا صانعي أمل، يبشر بأممية إسلامية لا صلة لها بيوميات الفلسطيني المرمي في شتاته محطماً.

وهنا ينبغي أن نتذكر أن العرب عبثوا بطريقة قاسية بالمستقبل الفلسطيني حين رفضوا حلولا هي أفضل بكثير مما نتج عن اتفاقية أوسلو التي صنعت سلطة فلسطينية سمح ضعفها بضياع قطاع غزة.

بالشعارات التي لا تزال ترفعها الجماعات المسلحة خسرنا صلتنا بالعالم وثقته بنا طرفا محاورا. غير أن اللعبة هذه المرة تبدو مختلفة. فالطرف الإسرائيلي هو الأقوى. كان كذلك دائما. وهو يحتاج إلى السلام أكثر من حاجتنا إليه.

مفارقة يكمن سببها في أن دولا عربية عديدة صارت المسافة بينها وبين السلام الأهلي تتسع بسبب التدخلات الإيرانية.

صار السلام الداخلي بالنسبة لتلك الدول غاية لا تدرك. وهو ما جردها من الوقت الذي يسمح لها في التفكير في مسألة السلام مع إسرائيل من خلال حل عادل للقضية الفلسطينية يضمن للفلسطينيين حقوقهم.

اما سلطة رام الله فإنها طرف مستضعَف، لا يملك من الأوراق ما يؤهله للضغط على إسرائيل ولا يملك ما يقدمه للفلسطينيين سوى الانتظار. وهو انتظار سلبي لن يثمر عن شيء.

لا ترى إسرائيل في السلطة سوى جثة هامدة. وهو ما يعبر عن الحقيقة.

وكما تغير العالم فإن الإسرائيليين قد تغيروا.

أتغيروا إلى الدرجة التي يمكن القول معها أنهم لم يعودوا أعداء؟

على الأقل يمكن القول "إنهم صاروا يتعاملون مع المحيط العربي بطريقة سياسية" ذلك ما تفتقر إليه طريقة تعامل الإيرانيين مع العرب حيث العداء قائم على أساس عقائدي لا يمكن تجاوزه.

لعبت إيران دورا خطيرا في تغيير النظرة إلى إسرائيل.

نسيان الخطر الإيراني هو نوع من البلاهة. فإيران التي تسلينا بخطابات المقاومة الشعبوية وتملأ الأفق بشعار "الموت لإسرائيل" لم تنجز على مستوى الواقع سوى مشروع الميليشيات الطائفية التي نشرت التخلف والجهل وثقافة القتل تحت شعار مبيت هو "الموت للعرب".

لقد تغير العالم من حولنا وصارت إيران هي العدو الأكثر خطرا على وجودنا.

حطمت إيران حياتنا من الداخل وهو ما لم تكن إسرائيل قادرة على القيام عليه بكل ما تملك من تفوق عسكري واستخباراتي.

لذلك صار واجبا على العرب أن يركنوا كل الأكاذيب القديمة جانبا ويتصرفوا بطريقة تنسجم مع حقائق عالم يتغير.

أبالسة إيران المشتبكون بالحياة العربية والذين صاروا يهيمنون على جزء منها هم أشد خطرا على المصير العربي من إسرائيل.

وإذا ما كان هناك مَن لا يزال واقعا تحت تأثير كذبة المقاومة التي تدعمها إيران فقد آن أوان المكاشفة. إيران هي العدو وليس للعرب من عدو سواها. ذلك لأن إسرائيل وهي دولة اعترف الفلسطينيون بوجودها مثلما فعلت دول عربية عديدة صارت تبحث عن محيط عربي قوي لتقيم معه سلاما دائما، يمكنها من خلاله أن تنهي زمن العسكرة الذي لم يعد منسجما مع معطيات عصرنا.

إن تضييع الوقت في المزايدات "الثورية" صار القصد منه مكشوفا وهو تمكين إيران من تكريس وتجذير مشروعها العدواني التوسعي في المنطقة. هو ما يجب أن ينتهي ليتمكن العرب من بناء حياتهم على أسس سليمة، تقربهم من العالم بما ييسر عليهم استرجاع حقوقهم في سياق سلام عادل.