فاروق يوسف يكتب:

"لا" للتطبيع السلبي "نعم" للحوار الإيجابي

يخطئ البعض حين يرى في التطبيع مع إسرائيل ممرا للسلام العادل. لا يعمل التطبيع سوى على فرض إسرائيل بكل ما حمل تاريخها من عدوانية على المنطقة باعتبارها امرا واقعا، وهو ما يخالف الحقيقة.

إسرائيل ليست دولة قائمة على معطيات إيجابية حتى الآن.

يجب أن لا ننسى أن إسرائيل قامت على أساس حق مغتصب. هو حق الفلسطينيين في أرضهم وهو حق تاريخي لا يقبل النقاش.

التطبيع هو نوع من الخيانة. من خلاله يقدم العرب خدمة مجانية لمَن يستخف بحقوقهم. هو تجسيد لخضوع المستسلم المنافق.

غير أن معارضة التطبيع يجب أن لا تأخذنا إلى ضفة حملة الشعارات الكاذبة التي لا تزال تُغري الجماهير المهزومة بهتاف "من البحر إلى البحر". فتلك صيغة انتحارية توقف الزمن عند لحظة بعينها هي اللحظة التي تجاوزها العالم منذ أكثر من خمسين سنة.

حملة تلك الشعارات الكاذبة يضحكون علينا.

عسكرة حياتنا تتيح لهم الهيمنة على كل شيء بما يعني أن حياتنا تظل معطلة في انتظار أن ينفذوا مشروعهم في التحرير المؤجل. وهو مشروع لن يرى النور عمليا بسبب ميزان القوى الذي يميل إلى إسرائيل.

لقد طغى البؤس والفقر والجهل والمرض على الحياة العربية في انتظار تحرير فلسطين. لا لشيء إلا لأن حملة شعارات التحرير هم مجرد قطاع طرق وأفاقين ولصوص وبلطجية وشذاذ آفاق انحصرت مهمتهم في محاصرة الإنسان العربي ما بين الاستسلام لنزعتهم في عسكرة الحياة طلبا للتحرير وبين أن ترتد بنادقهم إلى صدر مَن يطالبون بحياة سوية يسودها العدل والعلم والتنمية واستثمار الثروات بما ينفع الناس.

هناك ابتزاز مارسته الجماعات الدينية من أجل أن يبقى الوضع العربي قلقا وفي حالة طوارئ وهو ما جعل العرب يخسرون زمنا وثروات وبشرا وعلاقات دولية وفرصا للنمو والتطور. ففي الوقت الذي كانت إسرائيل فيه تحقق تفوقا علميا وثقافيا واجتماعيا وعسكريا كان العالم العربي يشهد انهيارات على المستويات نفسها.

لقد تاجر أدعياء التحرير وحملة شعار "من البحر إلى البحر" بالقضية الفلسطينية زمنا طويلا وانعكست تجارتهم سلبا على واقع العيش والتفكير في العالم العربي.

وكما هو واضح فإن تجارتهم تلك لم تكن تهدف إلى التوصل إلى حل عادل لتلك القضية بقدر ما كانوا يسعون من خلالها إلى تدمير العقل العربي من خلال تبسيط القضية والتبشير بالأوهام ونشر الخرافات وغسل العقول وتعطيل الحياة.

اليوم وبعد أن اتضح أن جماعات المقاومة، رافعة شعار التحرير، لم تكن إلا أذرعاً إيرانية صار من العدل أن يُفك الاشتباك بين الكذبة والحلم. فحلم التحرير الذي انساقت وراءه الملايين من الشباب العربي وذهب الآلاف منهم ضحايا باعتبارهم "شهداء" من غير أن ينعموا بالحياة الحقة لم يكن إلا غطاء لكذبة كشفت عن وقاحتها حين صار المقاومون مبشرين بعصر الولي الفقيه وحاملين لراياته.      

حزب الله في لبنان وحماس في غزة والحشد الشعبي في العراق والحوثيون في اليمن هم طلائع جيش الاحتلال الإيراني.

بدلا من تحرير فلسطين صار الاحتلال الإيراني هو العنوان.

وهنا صار واجبا على العرب أن يعيدوا النظر بما كان يعتبرونه بديهيا في علاقتهم بالعالم وبالأخص في ما يتعلق بإسرائيل وعملية السلام المتعثرة معها.

فحقيقة أن تكون جماعات المقاومة جيوشا إيرانية قد فرضت احداثيات جديدة، صار على العرب أن يتبعوها من أجل أن تكون علاقتهم بالعالم قائمة على المنطق والعقل السليم. فإذا ما كانوا راغبين حقا في سلام عادل يكون حلا لصراعهم مع إسرائيل فما عليهم سوى أن يلجئوا إلى لغة السياسة بعيدا عن الاستعراضات الميليشاوية التي قادتهم إلى ما هم فيه من مواجهة داخلية مع الخطر الإيراني الذي هو أشد فتكا من الخطر الإسرائيلي.

صار واجبا على العالم العربي أن ينهي الكذبة ويتخلص من حملة شعاراتها ويجتث ثقافتها ويبدأ في إقامة حوار سياسي إيجابي مع العالم من أجل حل القضية الفلسطينية وانهاء النزاع مع إسرائيل. حوار ينهي عداوة، لم يعد لها مكان في قاموس الحياة اليومية في المنطقة. فإيران هي العدو الحقيقي للجميع.