فاروق يوسف يكتب :
لبنان على مائدة حرب مستمرة
لم تنته الحرب الأهلية حتى كان لبنان يقف على شفا هاوية حرب مؤجلة، ستكون واحدة من أطول حروبه وأشدها قسوة وأكثرها استنزافا لثرواته البشرية.
عام 1982 وهو العام الذي شهد اجتياح الجيش الإسرائيلي للأراضي اللبنانية وحصار بيروت، تأسس حزب الله بتمويل إيراني.
حين انتهت الحرب الاهلية باتفاق الطائف عام 1990 لم يكن ذلك الحزب طرفا فيه، وهو ما حرره من أي التزام بشروط لعبة الحرب والسلام.
كان يحارب باسم لبنان من غير أن يكون لبنان الرسمي قد خوله بالقيام بذلك بالرغم من أن ذلك الـ"لبنان" كان يدفع ثمن حروب لم يخضها.
لقد ضمن حزب الله شعبية مطلقة عام 2000 سرعان ما خسرها عام 2006. ما وهبته إسرائيل مضطرة في الحرب الأولى، دفع لبنان ثمنه باهظا في الحرب الثانية.
اما عام 2008 فقد كان على لبنان أن يستعيد فاجعة عام 1982. بدلا من الجيش الإسرائيلي غزا حزب الله بيروت واحتلها ملوحا بسلاحه المقاوم.
يومها كان على لبنان أن يكون مستعدا لحروب غير متوقعة. لا مع إسرائيل وحدها بل مع ميليشيا حزب الله التي نظرت لسيرك احتلالها لبيروت باعتباره نصرا مؤزرا. وهو النصر الذي حققته على اللبنانيين الذين آزروها في هزيمتها التي لم تكن ضرورية عام 2006.
كشف حزب الله يومها عن حقيقته، كيانا طفيليا لا يمت بصلة إلى الحياة السياسية اللبنانية التي كانت ولا تزال تتستر بغطاء ديمقراطية زائفة، هي من بقايا عهد الاستعمار الفرنسي.
ذلك ما مكن ميليشيا مدعومة من إيران من ان تخترق تلك الحياة بيسر لتحول مجلس النواب اللبناني وهو السلطة التشريعية إلى واحدة من حارات الضاحية الجنوبية.
في حقيقة ما فعله حزب الله بالحياة السياسية اللبنانية أنه بالرغم من طائفيته قضى وبشكل نهائي على إمكانية أن يكون للطوائف الأخرى رأيها السياسي وهو ما يعد تحولا خطيرا في البناء الطائفي لدولة لبنان.
لبنان حزب الله هو غير لبنان فرنسا.
على الأقل لان المسيحي الذي صار رئيسا للجمهورية حسب الصيغة الفرنسية كان قد فرضه حزب الله ليكون له تابعا ومنفذا لأوامره.
أخطأ اللبنانيون حكومة وشعبا حين وقفوا مع حزب الله في حربه الكارثية وهو الخطأ الذي قاد إلى ترسيخ قاعدة القبول بذلك الحزب بغض النظر عما يمكن أن يقود إليه ذلك القبول من خلخلة لثوابت الحياة السياسية في بلد يتحكم به مبدأ المحاصصة الطائفية.
كان على اللبنانيين أن يتعاملوا يومها معه بحزم وطني ويعرضوا قيادته للمساءلة التي قد تقود إلى توجيه تهمة الخيانة العظمى لتلك القيادة التي فتحت أبواب الجحيم على لبنان تنفيذا للإرادة إيرانية.
غير أن لبنان الرسمي تآمر على لبنان الشعبي حين أضفى على من خانوه هالة البطولة التي سمحت لقيادة ذلك الحزب بالتصريح العلني والمباشر بتبعيتها لنظام آيات الله واضعة مصير لبنان في المختبر الإيراني.
وهو ما يعني أن على لبنان أن يعيش حالة حرب مستمرة مع العالم وليس مع إسرائيل وحدها ما دام نظام الولي الفقيه قائما في إيران.
ذلك ما صار واقعا اليوم. فأي خلاف مع حزب الله يمكن أن يؤدي إلى نشوب حرب أهلية. كما أن أحدا في لبنان لا يمكنه أن يمنع ذلك الحزب من استفزاز إسرائيل بما يمكن أن يؤدي إلى قيام حرب جديدة، يدفع لبنان ثمنها.
الأسوأ من ذلك كله أن الميليشيا الإيرانية التي لا تملك مشروعا سوى الحرب ولا تتكلم إلا ن خلال لغة الموت صارت تهيمن على الحياة السياسية في لبنان. لقد استولت دولة حزب الله على الدولة اللبنانية.
وبعد أن كانت هناك أصوات لبنانية تطالب بنزع سلاح حزب الله صار على تلك الأصوات اليوم أن تنادي بإنقاذ لبنان من فكي الوحش الذي يوشك أن يبتلعه. وهو مطلب لن يتحقق إلا بجهود دولية كبيرة.
لقد أدرك اللبنانيون متأخرين خطأهم حين ستروا بحجاب المقاومة عري حزب الله يوم قادهم إلى كارثة حرب عام 2006. وهو وعي فتح عيونهم على كذبة المقاومة التي ليس من المستعبد أن توجه سلاحها إلى صدورهم في أية لحظة تشعر فيها بالحرج.
وإلى أن ينتهي ذلك الوضع الملتبس فإن لبنان سيظل مرميا على مائدة الحرب التي تقرر طهران مواقيتها.