نبيل الصوفي يكتب :
السيادة التي ترتعش إن سمعت حديثاً طيباً عن شعبها
فيديو يظهر فيه أبناء قبائل من الإمارات ومن اليمن، يتحدث بعضهم عن "داعي القبيلة".. ويتمنّى أن بلاده الإمارات تمنح أبناء سقطرى الجنسية الإماراتية. يمنيين من سقطرى مهاجرين من زمان سكان في الفجيرة.
في اليمن أبناء قبائل يحملون جنسيتين: السعودية اليمنية.. القطرية اليمنية.. الأمريكية اليمنية.. البريطانية اليمنية.. الكندية اليمنية.
ومئات الثنائيات في الدنيا. من الجوف.. من مأرب.. من صعدة.. من حضرموت.. من شبوة.. من يافع.. من تعز.. من إب.. من عمران.
وكان يمكن أن يتحوّل كلام المواطن الإماراتي، محلاً للترحيب باعتبارنا نسمع أصواتاً شعبية غير رسمية تطالب باعتبار الترابط القبلي مكوناً من مكونات التآلف بين الدول..
خاصة في وقت نحتاج، كيمنيين، أصواتاً كثيرة في دول الجوار، تتمسَّك بدعم اليمنيين حتى استعادتهم لدولة تمثل مصالحهم وتنال رضاهم.. أشقاء وجيراناً.
غير أن هناك أطرافاً تعتاش على إضعاف التحالف الداعم لليمنيين.. لا أقصد به الحوثي، فمن هو ضد التحالف -كما كُنا نحن إلى ما قبل ديسمبر- موقفه واضح ويرفض التحالف ويرفض المنطقة برمتها، ومستعد أن يرفع علم إيران فوق الجامع الكبير بصنعاء.. وأن يرى علماً إماراتياً أو سعودياً في أي مكان في اليمن، يعني فشله في مشروعه، ولذا فعدوانه مبرر؛ ولكن أقصد أطرافاً أخرى، داخل الشرعية، تعتاش على هذا اللغط..
حتى لو قلنا الصراع بين الأمن والإخوان، في المنطقة العربية كلها من مصر إلى السعودية إلى الإمارات وإلى اليمن. لا يحق له استخدام اليمن في صراعه هذا، لأنه لن ينتصر كإخوان، بل سيزيد اليمن تهاوياً وعدوانية ضد محيطها الإقليمي القومي.
وأعتقد أن هناك قيادة داخل التجمع اليمني للإصلاح، أدركت ذلك، وبدأت خطوات للنأي بنفسها وجماعتها عن هذا الصراع، لكن لا يزال هناك منتفعون يشكلون مع أطراف أخرى تحالفاً للعبث الجهالة.. ينجحون كل مرة في إثارة معارك تنتهي بتعبئة إعلامية مجنونة تصور اليمنيين والإماراتيين أنهم في حرب ضد بعضهم، عكساً للواقع الذي يسكب اليمني والإماراتي دمه في معركة مصيرية قومية ومناطقية وحتى قبلية واحدة.
ولا يمكن إغفال أن هناك تجارة مأمونة، تتمثل في توظيف الخلاف الإماراتي القطري واستثماره، وإظهار اليمنيين كخصوم للإمارات، لكي يكسب المستثمرون هؤلاء.. أياً كان المردود السلبي الذي سينعكس على اليمن من هكذا صورة سلبية.
لو أن الإمارات هي من دعمت ثوار 2011، وهي من دعمت الحوثي.. وهي من دعمت القاعدة.. لما حدث ضدها كل هذا التحريض من كل نقطة صادقة أو كاذبة.
سيكون هناك نقاط موضوعية يجب مناقشتها، وملاحظات صائبة.. وتعديلات مهمة، لكن هذا يحدث قبل أن يتحول كل "وهم" إلى حملة. وأن تربط الحملات مع بعضها كأنها بناء متراكم يجذر للقطيعة بين الشعبين.
لماذا كلما تأزم طرف من أطراف الشرعية، أو حدث ما يجب إشغال الناس عنه، قامت حملة إعلامية ضد الإمارات.
قد يكون ذلك مؤشرَ نجاح للإمارات وليس فشلاً، لكن نحن لا يهمنا ماذا يعني ذلك بالنسبة للإمارات.. الذي يهمنا هو لماذا يحدث ذلك عندنا كيمنيين.
سيكون مسيئاً أننا لم نتعلم، رغم الهوة السحيقة التي تهوي فيها بلادنا بسببنا جميعاً، ولم تتدخل الإمارات إلا وقد "خربت صنعاء".. وتدخلت لإصلاح ما خرب، بقدر المستطاع وبالتجريب والمراجعة.. وضمن أهداف التحالف العربي وآليات عمله.
ويفترض أنه مهما اختلف بعضنا معها، فإن هذا الخلاف سيكون خلافاً عادياً جزئياً، لكن بهذه الحملات يبدو أنه معركة وجودية، كأنه يخبئ مشروعاً كبيراً أفشلته الإمارات أو تفشله دون أن ندرك نحن ما هو هذا الذي انتهى وفشل.
نسمع التحريض والوجع، ولا نعرف ما هو مصدره الحقيقي، إذ يختبئ وراء تهييج شعبوي متخم بالأكاذيب والتفاصيل التي يُعاد توظيفها بطريقة محترفة تستهلك ما بقي من طاقات اليمنيين ومسارات تفكيرهم وتحالفاتهم.
بهذه الحملات يبدو كأنه أكثر الخصومات خطراً وشمولية.
ما زلنا نستخدم بلادنا أوراق ابتزاز رخيص، يجعل أي شريك لنا يسأل نفسه ألف مرة، هل هناك أطراف يمنية محترمة يمكن اعتبارها شريكاً قومياً أو حتى إنسانياً لإدارة مصالح مشتركة أو لدرء خطر مشترك؟
الحديث هنا لا يضر الإمارات، كي تقولوا: هذا مجرد حديث مجاملات لها، بل يضرنا نحن كيمنيين.. ويخدم منتفعين يستخدمون هذه الحملات لإصلاح أوضاع خاصة بهم، ابتزازاً يخبئون فيه فشلهم وبؤس مشاريعهم.
نحن اليوم بحاجة لأى طرف يمد يد المساعدة، ولا يصح أن يسلك بعضنا طريقاً عاماً للحصول على مصالح خاصة بالابتزاز والإساءة.
من يساهم معنا في أرضنا.. ليس بالضرورة أن يكون مبعوثاً أممياً من هولندا حتى نصفّق له.
أو يكون بالضرورة داعماً لمجاميع المصالح والفساد التي تتغذى باسم "الشرعية"، فقط.
أو أنه يدعم مأرب لكن مش سقطرى وعدن.. أو العكس.
يحمي سيئون، مقبولة.. لكن المكلا حرام.. يحمي مأرب، عظيم، لكن سقطرى، عيب.
أو يحرر المخا والخوخة.. لكن تحريره لبيحان وعسيلان احتلال..
لاتخلطوا صراعاتكم المحلية، بصراع اليمن الإقليمي، دعوا الأشقاء يساعدون، ها هي سوريا بكلها تستعيد علاقتها بالمحيط العربي، ومصر لم تتجاوز مأزقها إلا بدعم إخوانها..
لماذا تحفرون عميقاً في حفرة تعلمون أنها تهدد هذه اليمن، التي لا قيمة لأيٍ منّا إلا بها.. واليمن ليست إلا جميعنا وأشقاؤنا معنا.
فقد أوغل الحوثي، في حفر الألغام حولنا أجمعين..
لنعقل.. ياخفاف العقول.
كُلنا، لنتراجع خطوة، يكفي عناداً لصالح الهاوية.