كرم نعمة يكتب:
الحديد الأخضر
يكاد يكون المخطط البياني للحديد والكربون شعار مهندسي المعادن، ومن لا يُعلق هذا الشعار على صدر بدلة العمل يعجز عن سبر أغوار معدن أرّخ لمنجزات الحضارات في العالم.
فكرة المخطط تقوم على تعريف خصائص الحديد الصلب أثناء تكوينه ما بين ارتفاع درجة الحرارة ونسبة الكربون في مكوّناته، وهكذا يوجد عدة أطوار يمر بها الحديد تحددها نسبة الكربون الموجودة فيه. فالحديد المقاوم للصدأ يكون خاليا من الكربون لذلك يعامل معاملة الذهب عند المهندسين بنفس حساسية تعامل النساء مع حليهن!
ومعضلة العالم تكمن في الكربون الذي يهدد البيئة، فلا يمكن لنا أن نتخلّى عن صناعة الحديد الذي رافق تشييد حضارات العالم عبر التاريخ، بينما البيئة لم تعُد صالحة للعيش وسيأتي يوم يختنق فيه الناس من ارتفاع نسبة الكربون! وصناعة الحديد الصلب تكاد تتحمّل المسؤولية الكبرى في ذلك.
حتى أكثر المتفائلين بخفض نسبة الانبعاثات في الطبيعة يقولون إن إزالة الكربون على نطاق واسع من الصناعة لا تزال أمامها عقود من الزمن. على الرغم من التحسينات التي لا يستهان بها في الكفاءة على مرّ السنين، إلا أن قوانين الكيمياء تعني أن أوكسيد الكربون هو نتيجة لا يمكن تجنبها لهذا التفاعل.
ويعدّ الحديد الصلب مسؤولا عن من 7 في المئة إلى 9 في المئة من جميع الانبعاثات المباشرة من الوقود الأحفوري، حيث إن كل طن يتم إنتاجه يؤدي إلى انبعاث 1.83 طن من ثاني أوكسيد الكربون في المتوسط، وذلك وفقا لجمعية الصلب العالمية.
فمن يصنع لنا حديدا أخضر ينقذ رئاتنا من الصدأ؟
بسبب قدرة الهيدروجين على التخلص من جميع انبعاثات الكربون من مرحلة صناعة الحديد، تحاول بعض الشركات جعل الصلب القائم على الهيدروجين قابلا للتطبيق اقتصاديا.
وتحاول شركة الصلب السويدية “ساب” الإيفاء بالعهد الذي قطعته على نفسها بأن تزوّد العالم في عام 2020 بما أسمته بالحديد الإسفنجي، عبر تصنيع دون وقود أحفوري، من أجل حماية البيئة، فالهيدروجين الذي ينتج عن طريق التحليل الكهربائي من مصادر الطاقة المتجدّدة الوفيرة في السويد، سيتم استخدامه لتقليص الخام إلى منتج يسمّى الحديد الإسفنجي، وفق تقرير لصحيفة فايننشيال تايمز.
ونقلت الصحيفة عن نيكول فويجت من مجموعة بوسطن الاستشارية قولها “من الواضح تماما أننا إذا أردنا الوصول إلى أهداف خفض الانبعاثات، وإبقاء الارتفاع الحراري درجتين مئويتين، يجب أن يصبح الحديد الصلب أيضا بشكل أو بآخر محايدا من حيث الانبعاثات”.
إذا كان العالم ينتظر حديدا إسنفجيا أو حديدا أخضر، لإنقاذ البيئة فأنه لا يساعد على بقاء الأشجار سامقة والحفاظ على رئات البشر سالمة، فقط، بل سيغيّر نظرات النقد المعماري الذي طالما تأمل الهياكل الحديدية التي تبرز في واجهات المدن، أشبه بأغلال من العقد المصفد!