فاروق يوسف يكتب:

في خطر استسلام المجتمع للميليشيات

اغتيال الكاتب العراقي علاء مشذوب في شارع رئيس بمدينة كربلاء ليس بالحدث المفاجئ في بلد، شهدت مدنه ومنذ عام 2003 عمليات اغتيال متكررة لرموز نخبته المفكرة.

لذلك لم يكن القصد من قتل الروائي والسينمائي والأكاديمي المعروف إرغامه على الصمت من خلال الموت حسب، بل انطوت تلك الجريمة أيضا على الرسالة ذاتها التي لطالما لوّحت بها الميليشيات. هناك خطوط حمراء ينبغي عدم تجاوزها من قبل المثقفين الذين تصنّفهم تلك الميليشيات باعتبارهم أعداء للمشروع الإسلامي الذي وضعت مرتزقتها في خدمته.

وإذا ما عرفنا أن الخطوط الحمراء في العراق هي أكثر من أن تحصى فإن المثقف، أي مثقف إذا لم يلذ بالصمت التام واختار أن يؤدي واجبه فإنه لا بد أن يقع في المحظور من خلال اجتيازه واحدا من تلك الخطوط.

فالمرجعية الدينية خط أحمر، يبدأ بالسيستاني ويمتد إلى آخر عمامة بيضاء أو سوداء، صارت بمثابة رمز لتغوّل سلطة المؤسسة الدينية. إيران خط أحمر. لولاها ما كان في إمكان الولايات المتحدة أن تدخل الشعب العراقي في متاهة حرب أهلية لن تنتهي. حرب ليس بالضرورة أن يكون طرفاها الشيعة والسنة، بل أنها تغيّر جبهاتها بما يخدم الهيمنة الإيرانية، من خلال تركيبة سياسية، يكون فيها سنّة الحكم أكثر ولاء لإيران من شيعته، ويفتك الشيعة بعضهم البعض. لذلك لم يكن غريبا أن يكون المثقفون الذين جرت تصفيتهم، كلهم من الشيعة.

وإذا انتقلنا إلى الميليشيات التي جرت شرعنة سلاحها بحجة محاربة تنظيم داعش الإرهابي فإن ذلك الخط الأحمر سيصل إلى السماء. ذلك لأنه ما من كيان أحيط بالقداسة إعلاميا وشعبيا مثل الحشد الشعبي، وهو عبارة عن مجموعة الميليشيات الشيعية التي جرى تجميعها في كيان اقتراضي واحد هو الحشد الشعبي الذي غالبا ما تلصق بذكره صفة “المقدس”.

لقد صار واضحا منذ عام 2014 وهو العام الذي أعلن فيه السيستاني عن فتواه في الجهاد الكفائي التي تمت بموجبها شرعنة سلاح الميليشيات الخارجة على القانون أن العراق قد سلم مصيره لتلك الميليشيات، التي تستلم أوامرها مباشرة من الإيراني قاسم سليماني تعبيرا عن ولائها للولي الفقيه.

ذلك التحوّل الخطير وهب بالقانون شرعية لعصابات لا تعترف بسيادة القانون، فصار كل ما تفعله من جرائم يكتسب طابعا قانونيا، وهو ما يمكن أن يضع العراق في منزلة الدولة التي ترعى الإرهاب وتتستر عليه. فالدولة العراقية في حقيقة موقفها القانوني مسؤولة عن كل الجرائم التي ارتكبها الحشد الشعبي، وهي جرائم ضد الإنسانية يمكن أن ينال مرتكبوها العقاب العادل إذا ما استيقظ الضمير الإنساني من غيبوبته الأميركية.

كان ظهور داعش جريمة، تواطأت من أجلها جهات محلية وإقليمية ودولية، في مقدمتها الحكومة العراقية التي كان نوري المالكي يتزعمها، غير أنها جريمة قد تمكّن المجتمع الدولي من إنهائها من خلال التضحية بواحدة من أعز مدن العراق وهي الموصل. أما ظهور الحشد الشعبي فإنه جريمة ستكون التضحية بالعراق كله ثمنا لإنهائها. فالحشد هو القوة التي تتحكم بالدولة باعترافها. وهو أغرب ما يمكن أن تقوم به دولة في عالمنا الحديث.

فليس مألوفا أن تقوم دولة باحتضان قطاع الطرق باعتبارهم أبناءها. كما أن الدولة العراقية حين خصّصت جزءا كبيرا من ميزانيتها للإنفاق على الحشد الشعبي فإنها قد وضعت أموال الشعب العراقي في خدمة القتلة الذين يديرون ماكنة الجريمة المنظمة بالطريقة التي تناسب أسيادهم. بهذا يكون الشعب العراقي هو الجهة التي تمول قتلته.

في وضع من ذلك النوع، سيكون نوعا من السخرية أن نطالب الحكومة في الكشف عن قتلة مشذوب وسواه من صنّاع الرأي العام في العراق. فتلك الحكومة هي التي يجب أن تحاكم فهي مسؤولة بشكل مباشر عن كل عملية قتل تنفذها الميليشيات التي تزعم أنها تأتمر بأوامرها