رحيم الخالدي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الحكيم من الجهاد إلى الشهادة

 كتب كثيرون عن سماحة السيد محمد باقر الحكيم، ونعتقد جازمين أنهم أهملوا زوايا كثيرة لا يعلمها إلا الخواص. لا يمكن القول أن هناك من سيمكنه إكمالها كلها، لكن يفترض أن لا يتم إحتكار تلك الأسرار، بل يجب تعميمها لأنها تمثل خط الجهاد الحقيقي، والذي لمسناه وعرفناه من خلال الفتوى، التي أطلقها سماحة السيد السيستاني بالجهاد الكفائي .

السيد محمد باقر محسن الحكيم الطباطبائي، هو محمد باقر ابن السيد محسن الحكيم المرجع الديني الشيعي الكبير، وهو أيضا مؤسس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، والتي تعد من ابرز قوى المعارضة العراقية التي عملت ضد النظام العراقي السابق، يعد من أهم القادة الشيعة في العراق، ولد عام 1939 م في النجف الاشرف، بوصلة العالم الشيعي ومقر المرجعية العالمية منذ ولاية علي بن ابي طالب (صلوات ربي وسلامه عليه وعلى أله) وليومنا هذا .

عرفت حوزة النجف السيد محمد باقر الحكيم أستاذاً وباحثاً و«عضداً مفدى» للسيد الصدر، وعرفته الأروقة الجامعية أستاذاً جامعياً في علوم القرآن وسائر العلوم الإسلاميّة، وعرفته ساحة إيران والعراق وسائر أرجاء العالم الإسلامي رسالياً ملتزما، يحمل هموم العراق والمسلمين ويدافع عن شرفهم وكرامتهم، وقد ترأس المجلس الأعلى للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة، كما كان نائب رئيس المجمع العالمي لأهل البيت.

بعد المضايقات الكثيرة من أزلام البعث تمكَّن من الخروج من العراق في تمّوز عام الف وتسعمائة وثمانون، متوجَهاً نحو تنظيم المواجهة ضد نظام صدام، وتعبئة كل الطاقات العراقية الموجودة داخل العراق وخارجه، من أجل دفعها لتحمّل مسؤولياتها في مواجهة هذا النظام، وبعد مخاضات صعبة، أسفر النشاط المتواصل، والجهود الكبيرة للحكيم عن انبثاق المجلس الأعلى، في أوائل ثمانينيات القرن الماضي, ثم انتُخِب ناطقاً رسمياً له، حيث أُوكلت له مهمّة إدارة الحركة السياسية للمجلس على الصعيد الميداني والإعلامي و تمثيله .

بتشجيع ودعم من السيد الخميني، قام الحكيم بتأسيس فيلق بدر، وهو الجناح العسكري للمجلس الأعلى، حيث تشكل هذا الفيلق من العراقيين المهجرين والفارين من ظلم نظام البعث، وبعض الأسرى العراقيين في المعتقلات الإيرانية، بعد سقوط صدام رجع الحكيم للعراق، وفي مؤتمر عقد في النجف الأشرف، أمر بتحويل فيلق بدر الى منظمة سياسية وقال: أن دور بدر العسكري إنتهى بسقوط نظام صدام .

الكلمات المدوية التي عجلت بإستشهاده كانت واضحة، ورافضة لأي تواجد غير عراقي، مؤكداً الإلتزام بالمرجعية وتوجيهاتها من جانب، ومن جانب آخر تأكيده الإلتزام بالقانون والدستور العراقي الجديد الذي سيكتب في حينه، ومن جملة ما قاله : يجب أن يختار الشعب العراقي الحكومة التي يريدها، وأن يكتب الدستور عراقيا من قبل جمعية وطنية منتخبة من قبل الشعب العراقي، والتأكيد على وحدة العراق، والحرص على إقامة علاقات متوازنة مع دول المنطقة، مبنية على إحترام المصالح المشتركة، وكانت هذه المواقف كفيله بإستشهاده مبكراً، ليرحل لربه كما كان يتمنى ويدعوا الباري بكل صلاة بتحقيقها له .

آخر خطبة له كانت الفاصل في رحلته بين الجهاد والإستشهاد، أول كلماته في النجاة هو التمسك بسيرة أهل البيت عليهم السلام، وطريقة الوصول اليهم عن طريق المرجعية الصالحة، بكلمات مدوية "نعم نعم للمرجعية" كونها طريق نجاتنا ووصولنا، والالتزام بها كما التزم بها أسلافنا الصالحون، منوها لرص الصفوف متنبئاً بإستيلاد أحزاب وحركات، لكن بشرط أن تصب في المصلحة العامة لكل العراقيين، مذكراً بدور العشائر مؤكدا ومذكرا أن المرجعية تمثل الأبوّة ووحدة الكلمة والصبر والصمود والإستقامة والإلتزام بالقيم والمبادئ والأخلاق، ولا تلتفت للأمور الجانبية من هنا وهناك .