فاروق يوسف يكتب:

خرقة السيادة الوطنية في العراق

"السيادة الوطنية" مفهوم ملتبس المعاني في العراق. كل طرف من أطراف العملية السياسية الهزيلة هناك يملك معنى خاصا به لذلك المفهوم، هو انعكاس لمصالحه وسياسة الجهة التي تموله وتدعمه وتيسر له سبل تنفيذ عمليات فساده على جثة اسمها العراق.

السيادة الوطنية في العراق هي كذبة بجناحين مزيفين.

في الواقع فإن ذلك البلد لم يستعد سيادته الوطنية التي فقدها عام 2003.

فما من سيادة وطنية من غير جيش وطني حقيقي وأجهزة أمنية تلتزم بالقانون وقضاء محايد وحكومة تعرف ما هي وظيفتها.

بقيت السيادة الوطنية مجرد شعار في ظل غياب كل تلك المقومات.

ما من جيش وطني حقيقي وليست هناك أجهزة أمنية تسهر على الاستقرار وتقيم لراحة وأمن المواطنين الأعظم في واجباتها كما أن القانون قد تم احتواؤه وتطعيمه بفقرات مستلهمة من فكر لا يعترف به وبذلك تم وضعه في خدمات أجندات طائفية. أما الحكومة فإنها أضعف من أن تتمكن من فرض سيطرتها على القوى التي تحكم الشارع وتتحكم بمسار الدولة العراقية، فهي في سلوكها لا تسعى إلى فرض القانون على الجميع.

الواقع يقول أن إيران وتركيا وهما جارا العراق يخترقان سيادته متى واينما يرغبان وليسا في حاجة إلى أن يفسرا أفعالهما.

لذلك فإن تعبير السيادة الوطنية صار يُستعمل من قبل الجميع من غير أن يتصل بحقيقته التي يجسدها الوصف القانوني السائد دوليا. فهو مفهوم مائع، سائب، يمكن أن يتشكل حسب مصالح الجهة التي تستعمله، بالطريقة التي تخدم توجهاتها.

فعلى سبيل المثال فإن الإيرانيين والأميركيين قوتان تتصارعان في ما بينهما على الهيمنة على العراق، وفي الوقت نفسه فإن كل واحدة منهما لا تخفي اهتمامها بسيادة العراق الوطنية.

إيران ترى من خلال ميليشياتها أن تلك السيادة ستكون منقوصة إذا ما استمرت القوات الأميركية في البقاء على الأراضي العراقية. اما الولايات المتحدة وهي الدولة التي احتلت العراق وحطمت دولته ومحت جيشه وأجهزته الأمنية وعلقت العمل بقانونه فإنها لا ترى إمكانية لإنجاز السيادة الوطنية للبلد الذي دمرته إلا من خلال تخلصه من الهيمنة الإيرانية.

قد يكون من غير الضروري النظر إلى ما تقوله الحكومة العراقية عن السيادة الوطنية. فهي حكومة الأمر الواقع. ذلك لأنها لم تتشكل إلا في سياق تسوية أميركية ــ إيرانية. وهو ما يجعلها تتلفت إلى الطرفين الذين يقولان أشياء مختلفة في تعريف الشيء نفسه، من غير أن تقول كلمتها.

تحتال الحكومة العراقية على نفسها حين تتحدث عن السيادة الوطنية.

فالعراق الذي تحكمه هو في حقيقته بلد محتل.

إذا ما نحينا الاحتلالين الإيراني والأميركي جانبا فإن البلد محتل من قبل الميليشيات التي استثمرت فيها المرجعية الدينية آخر ما تملكه من رصيد شعبي حين جمعتها تحت لواء الحشد الشعبي.

الحشد الشعبي هو قوة احتلال محلية تمثل إرادة قطاع الطرق. 

واقعيا فإن إيران تحتل العراق عن طريق هيمنة الحشد الشعبي الذي هو في حقيقته أحد فروع الحرس الثوري الإيراني.

اما الولايات المتحدة فإنها تتصرف على الأراضي العراقية كما لو أنها لو أنها تملك الحق المطلق في أن تفعل ما تشاء، من غير ان تشعر بالحاجة إلى التشاور مع الحكومة العراقية التي تعرف جيدا أنها مجرد واجهة تغطي من خلالها على فشلها المريب في إقامة نظام سياسي حقيقي يخلف نظام صدام حسين الذي أسقطته وكان ذلك بمثابة اعلان عن نهاية السيادة الوطنية التي لم يتمكن العراق من استعادتها.

"السيادة الوطنية" التي يلوح بها مرتزقة الحشد الشعبي باعتبارها سببا مقنعا لإعلان الحرب على القوات الأميركية هي مجرد خرقة، يعرف الجميع أن لا قيمة لها.

مَن يتحدث عن السيادة الوطنية من العراقيين في مواجهة مسألة انتشار القوات الأميركية على الأراضي العراقية لمراقبة إيران أما أن يكون أبلها، مغررا به أو أن يكون عميلا إيرانيا.