الحبيب الأسود يكتب:

السعودية أو التأسيس الجديد في ظل الاستقرار الدائم

كل من راهنوا على الإساءة للمملكة العربية السعودية، وعلى تشويه صورة ولي العهد، انتهوا إلى الفشل. فالمملكة كبلد كبير ومحوري في الشرق الأوسط والعالم، وكقوة اقتصادية وسياسية وثقافية وروحية، قادرة على مواجهة العواصف والأعاصير، والتصدي للمؤامرات الخارجية ولمن يقفون وراءها، وللأطماع الإقليمية والدولية خصوصا عندما تأتي من إيران أو تركيا بإرثيهما الاستعماري والإمبراطوري الحاقدين على العرب والعروبة.

خلال الأسبوع الماضي، سجلت المملكة جملة من الأحداث المهمة التي تؤكد أنها أكبر من أن تهتز أمام أي ظرف طارئ أو حدث عابر، ورغم كل الحملات الشرسة التي تعرضت لها مؤخرا، التي تشكلت من أجلها غرف عمليات وجماعات ضغط، وعُقدت لقاءات واجتماعات على مختلف الأصعدة، ودُفعت تمويلات ضخمة لتنظيم تلك الحملات على نطاق واسع، عساها تنجح في عرقلة خطوات القيادة، أو في المساس من السلم الاجتماعي بهدف إرباك الإصلاحات التي تشهدها السعودية بقيادة الأمير الشاب محمد بن سلمان.

جولة محمد بن سلمان الآسيوية، والتي شملت باكستان والهند والصين، أثبتت أن الرياض تعرف إلى جانب الإصلاحات الاجتماعية، تحولا مهما في علاقاتها الخارجية، وتوزيعا محكما لتحالفاتها عبر جغرافيات العالم. فالرياض لم تعد تضع كل بيضها في سلة واشنطن، ولم تعد أسيرة لتحالفها السابق مع الولايات المتحدة، وإنما نجحت وبقوة خلال الفترة الماضية، في أن ترتبط بعلاقات اقتصادية وسياسية قوية مع القوى الصاعدة، وخاصة مع موسكو وبكين ودلهي الجديدة، وأن تستشرف المستقبل بقراءة عميقة للتحولات الكبرى. فمجرد إعلان ولي العهد عن اتجاه بلاده لتدريس اللغة الصينية، يبرز مقدار الوعي بتلك التحولات المنتظرة، والتي أشار إليها الكاتب الأميركي فرانسيس فوكوياما عندما قال إن القرار العالمي بعد سنوات قليلة سيكون في بكين وليس في واشنطن وذلك كنتاج طبيعي لحجم الصين الاقتصادي الذي شكّل عامل توازن مع القوى الرئيسة الأخرى المؤثرة في العالم.

إن السعودية الجديدة التي دشنت مشاريع عملاقة في مختلف المجالات، وفتحت آفاقا جديدة لشبابها ونسائها، لم تعد “سعودية” الأيديولوجيات الدينية المنغلقة، وإنما تحولت خلال عامين إلى “سعودية” الرؤية المستقبلية الواضحة، التي تعمل على أن تتحول إلى قوة فعلية بصناعاتها واستثماراتها والاستفادة من ثرواتها الضخمة ومن طاقاتها البشرية وموقعها كعنصر محدد للأمن والاستقرار في العالم، وخلال أعوام قليلة ستصبح المملكة واحدة من كبريات الدول المصنعة، فعندما تتوفر الإمكانيات المادية والبشرية لا تحتاج الدول إلا إلى الرؤية، وعندما تتوفر الرؤية إلى جانب تلك الإمكانيات، سيكون الإنجاز بحجم الطموح، وطالما أن الطموح موجود، فإن المستقبل سيشهد نقلة نوعية في مكانة المملكة لتتحول إلى واحدة من الدول الأبرز على سلّم الصعود العالمي.

ولا شك أن القيادة السعودية الحالية، استطاعت أن تقرأ وتستوعب جيدا كل ما يدور حولها، وأن تدخل في مرحلة إعادة التأسيس للدولة على أسس جديدة متجاوبة مع تطلعات شعب كان بانتظار هذه المرحلة، وهذه الخطوات الإصلاحية الكبرى، يقودها الأمير الشاب محمد بن سلمان بدعم موصول من والده، ومن الأسرة الحاكمة ومن النخب الفاعلة، وكذلك من عامة السعوديين، خصوصا وأن 70 بالمئة منهم هم من فئة الشباب الذي كان يحلم كغيره من شباب العالم بالانفتاح والعمل والتحرك وفق بوصلة المستقبل.

السعوديون ينظرون اليوم بكثير من الدهشة إلى ما يجري في بلادهم من تطور ملحوظ في كل المجالات، ومن إعلان يومي عن مشاريع عملاقة بمبالغ ضخمة، لم يكونوا يسمعون عنها شيئا من قبل، وعن إصلاحات كان البعض يحاول بث الخوف مما قد يتسبب فيه إنجازها، وخاصة في ما يتعلق بمكافحة الفساد ورؤوسه مهما كان موقعها، والتمكين للمرأة، وتحييد الخطاب الديني المتشدد، والانفتاح على ثقافات العالم وإبداعات الشعوب، وطرق أبواب السياحة والترفيه والمهرجانات الكبرى.

وبالإعلان عن تعيين الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود سفيرة للمملكة في واشنطن، أكدت القيادة السعودية أن الإصلاحات أعمق مما كان يعتقد بعض المشككين، وأن هناك عقلا ذكيا يدير تلك الإصلاحات، خصوصا وأن المرأة السعودية كانت منذ عقود في انتظار مثل هذه الخطوة، كما كان العالم يرتقب أن تأتي خطوة كهذه، للتأكيد على أن هناك تحولا جذريا في المجتمع ليس من الداخل فقط، وإنما من خلال تواصله مع الخارج.

فالسعوديات لديهن قدرات جبارة سواء كانت علمية أو عملية، والمراهنة عليهن إنما هي مراهنة على المجتمع ككل، باعتبارهن نصفه الذي يربي نصفه الثاني، كما لديهن رغبة جامحة في تحقيق ذواتهن بعد أن وجدن خلال العامين الماضيين تجاوبا من القيادة، التي أعطتهن مجالا فسيحا للمبادرة، في ظل مجتمع متحرك نحو المستقبل، ومتفاعل إيجابيا مع العالم.

المطلعون على ما يدور في كواليس السياسة السعودية، يؤكدون أن المستقبل القريب سيكشف عن مفاجآت مهمة أخرى تتصل بالمرأة والشباب، وأن المملكة مقبلة على مشاريع وإنجازات استثنائية ستزيد من حجم التحولات التاريخية التي تعرفها البلاد.

أما مشاركة الملك سلمان بن عبدالعزيز في القمة العربية الأوروبية التي اختتمت الاثنين الماضي في شرم الشيخ المصرية، فقد أثبتت بدورها موقع المملكة الجديد المؤثر، وكلمته أمام ممثلي 50 دولة من الكتلتين، العربية والأوروبية، كانت كافية لتوضيح أبعاد السياسة الخارجية للمملكة، من حيث التأكيد سواء على ترسيخ قيم الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، أو على مركزية القضية الفلسطينية، أو من حيث الدعوة إلى ضرورة التصدي لأطماع إيران، أو دعم الحل السياسي في اليمن، وغيرها من القضايا.

إن سعودية اليوم التي تتحرك في كل الاتجاهات، أصبحت أقوى من ذي قبل، بعد أن تمردت على كل المكبّلات، وخرجت من طوق السياسات التقليدية إلى سياسة المبادرة والإصلاح، لتعيد صياغة موقعها بالشكل الذي يتلاءم مع طموحات شعبها، وهو ما يزعج أعداءها والمتربصين بها. فقبل سنوات قليلة كان هناك من يتآمر عليها بدعوى اقترابها من خط النهاية، ولكنها اليوم تنهض من جديد في مرحلة تأسيسية كبرى برؤية استباقية للمستقبل في ظل استمرارية أمنها واستقرارها، وبذلك تنجح الدول وتسعد الشعوب.