فاروق يوسف يكتب:
العيون المغلقة
في الفن لا تسبق النظرية التطبيق، فلو لم يكن هناك سلوك سريالي وأعمال أدبية سريالية ما كان ممكنا أن تكون للبيان السريالي أهمية تُذكر، فالأفكار تحلق في كل فضاء، وهي ممكنة في كل وقت غير أن النظر إليها من خلال أعمال تجسدها في الواقع هو ما يهبها حضورا مدهشا، يشكل بلاغا مسترسلا في رحلته بين العقل والعين.
التقيت في حياتي الكثير من الحالمين الذين كانوا يبنون قصورا من الهواء، كما يُقال، غير أن قلة منهم استطاعت أن تنتصر لإرادتها في الإنجاز وتصل إلى مستوى أحلامها من خلال أعمال تدل على امتزاج الموهبة بالحرفة بالخيال.
ثلاثية هي القاعدة التي تُبنى عليها التجربة الفنية، من غيرها مجتمعة لا تستقيم الأمور وندخل في متاهة سؤال يتعلق بالفرق بين ما هو فني وما هو غير فني.
وباستثناء بيان جماعة “الفن والحرية” المصرية الذي صدر نهاية ثلاثينات القرن المنقضي، فإن كل البيانات التي أصدرتها الجماعات الفنية العربية كانت عبارة عن أمنيات، تقدم فيها النظري على العملي ولم تر أفكارها النور من خلال ممارسات تبين قيمة ما انطوت عليه من دعوة إلى التحول.
كانت هناك مبالغة في التحليق الشعري كما لو أن المطلوب أن يقول الفنان كلاما جميلا من غير أن يكون مسؤولا عن قدرة ذلك الكلام على إعادة خلق الواقع من خلال أعمال فنية.
لقد تحول الفنانون في بياناتهم إلى شعراء ونسوا أن الحكم النهائي والأخير إنما ينبعث من أعمالهم لا من رؤاهم، الفن هو ما نعمله وليس ما نفكر فيه.
صحيح أن التفكير في الفن هو ما يحتاجه كل فنان لمعرفة طبيعة علاقته بما يفعل، غير أن ذلك التفكير لا يمكن أن يكون ميزانا للحكم. هناك اليوم تلال من الكلام الجميل المنمق التي تشكلها البيانات الفنية من غير أن تقابلها أعمال فنية تؤكد مصداقية ذلك الكلام، كما لو أن الفن كان يقيم وراء عيون مغلقة.