نبيل الصوفي يكتب :
عدن.. مريم الصبر والأحلام
تعرفون الفرق بين عدن وتعز وصنعاء ومأرب؟
عدن داخلها مجتمع انتصر في معركته الرئيسية قبل ثلاث سنوات.. وكان يريد الانتقال خطوة للأمام، بنفس الحماس..
لإقامة دولة جديدة تنسيه عشرين سنة، على الأقل، من اللوك السياسي وصراعات الأطراف العابثة.
دولة بلا شمال مركزي، ولا جنوب مُشتَّت، دولة بلا مناطقية ولا طائفية..
دولة تحت علم دولته التي كانت مهما بلغت صراعاتها السياسية فإنها تبقى صراعات في الزمن الحاضر، ما يتوقع واحداً يجيئ محملاً بغبار الصراع في سقيفة بني ساعدة..
كانت عدن تحلم بدولة بلا مؤتمر، ولا إصلاح، ولا اشتراكي..
دولة بلا علي عبدالله صالح ولا هادي ولا محسن..
وصول القوات الإماراتية بالنسبة للمواطن في عدن، رفع سقف آمالهم إلى السماء..
توقعوا أن يتم غسل المدينة وقلوب أبنائها من أدران قرن من الزمان..
في النهاية هذه دولة محترمة، ولا تقيم وزناً للسياسيين وحتى الإعلاميين الذين رِزْقهم كلام لمجرد الكلام في خدمة السياسيين، لا وجود له في قاموسها، لا تزال دولة بلا إعلام سياسي إلى اليوم.
كان تحالف علي عبدالله صالح والحوثي، يقطع الأمل نهائياً بالشمال لدى الجنوب.. فالشمال إذا صف واحد، وكل واحد تالياً سينام على الشطر الذي يريحه.
تحرَّرت عدن وتحرَّر الجنوب كله، وأقام التطرف والإرهاب دولاً صغيرة له في كل شارع، وقتل أول رجل قال: أنا من عدن وعدن مِنّي، جعفر المحافظ المؤمن بعدن.. وبقي هادي مسلطاً على رقاب التحرر، فدخل عيدروس الزبيدي إلى جانب السلفيين الذين صمدوا يوم هرب هادي وكل دولته.
وبدأت عدن تتعرف كل يوم على ملامح جديدة، حاول هادي والإصلاح العودة إلى عدن كما لو أنهم في 94.. لم يغيروا شيئاً من وجوههم وخطابهم.. لم يستشعروا أيَّ تغير.. ووجدت عدن نفسها في صراعات هي في غنى عنها..
تتحرر من دولة 94 وتحتكم لها.. تغضب من الشمالي فتؤذيه مرة ثم تعود لتأويه ألف مرة.
هنا ضالعي.. هذا يافعي، ذاك من أبين، وعاد الشحري في كل دكاكينها.
هذا صلوي، وذاك هندي، ومن الصومال جاء ذاك.
من عمران.. من حجة، من صنعاء، وهذا الغرباني جاء من أطراف صعدة.
تهامة في كل أزقتها.. شبوة وإب وتعز..
مواطنون، مصلحتهم في السلامة والسكينة، وحولهم جبهات حرب يستقطبها الحوثي ليل نهار..
لكن الأطراف السياسية معركتها أخرى، هي معنية بما كان وما تحلم هي به، لا علاقة لها بالناس ولا بالمدينة.
كافحتهم عدن بدعم كبير من جيش الإمارات، هو أهم من عطايا الهلال.. الناس تأمن بوجود طرف عاقل يقول لكل أطفال الصراعات، دعوا الناس وشأنهم.. دعوا الناس تتعافى من ماضيكم الرزي. وبعدها سيبحث الناس لهم عن رزقهم ودوائهم.
استقرت شوارع عدن، سِرت أنا في هذه الشوارع التي كنتُ أكتب عنها كدول للمسلحين، وسمعت هنا كانت نقطة فلان.. هذه كانت معركة أبو علان..
وخلال عامين، كانت عدن قد أدركت مخاطر لم تكن في الحسبان.. الإخوان وهادي والحوثي ليسوا ضد انفصالها، كل منهم قد انفصل عنها وانتهى.
صارت مأرب دولة، وصنعاء دولة، لكنهم يريدون أن تكون عدن هي من تحمل رايتهم..
هدأت حروب الشوارع، لو تُقاس الجرائم التي تشهدها عدن بما يحيط بها من جبهات وبما تتقاطع فيها من صراعات.. لقلنا إنها الأمُّ التي يؤذيها عيال السوق وهي كل جهدها إطعام هذا وإيواء ذاك وتطبيب يد من كان يوجعها بالأمس..
عدن التي تعيش في حرب عدوانية ضدها من مائة سنة وأكثر.. كل طرف منَّا سقاها المُرَّ مرة على الأقل..
عدن كأنما هي مريم العذراء، تهز جذع النخلة موجوعة تستقطب رزق المولى، ويقف أمامها شذاد الآفاق الأفاكون يقولون لها (مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا)..
يتهمون بكل القذارات التي تتالى عليها من قرن من الزمان، وحين يوجعونها تقول كمريم (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا)، لكنها تعود بعد ذلك، فمريم واحدة وعدن ألف مريم..
هي تختبر كل من يدعي أنه ضد التخلف والفساد والإرهاب، متى سيتحرر من وجود هذه الصفات المعشعشة في عقله ويرى عدن بعينه هو لا بعين خصومها.
هي فقط تتعافى، أما أهلها فلا يزال أملهم بيوم لا يكون أحد منّا صُنّاع الشرور في محيطها..
فلا تتكئوا على مروءتها، فلولا أنها هي معنية بكم، لأنها مدينة الله وروحه، لقالت لكم: أف لكم ولما تدعون، وأغلقت بابها دونكم، فنحن لسنا في 90.. ولا حتى في 2011.
جئت من المخا قلقاً فمنحتني اليوم عدن بعض الأمان..