غازي الشعيبي يكتب لـ(اليوم الثامن):

معنى الوطنية

الوطنية ليست كلمة تكتب, أو شعاراً يرفع, بل الوطنية إيمان وخلق وسلوك ووفاء وإخلاص, الوطنية شعور ليس للتشدق والتباهي, والتهجم على الآخرين، الوطنية ليست نعرة ممجوجة, أو عصبية مرفوضة, أو عنصرية مزعومة, الوطنية أسمى وأعلى, الوطنية إحساس وشعور وشموخ, الوطنية ولاء وإنتماء إلى الوطن الذي نعيش فيه الذي لا يقبل المساومة, وهو المكان الذي إليه ننتمي ومنه تكونة أجسادنا ونمة فيه, وفيه كبرت معنا آمالنا وأحلامنا, التي تحققت والتي منها مازالت عالقة في أفق الماضي ولكنها ذكرى عزيزة لمكنوننا الداخلي وستتحق ذات يوم بمشيئة الله, وعلاقتنا مع المكان الذي فيه عشنا وترعرعنا, وفيه زرعت ذكرياتنا, ومنه خرجنا وإليه سنعود, هو مصيرنا ومصير أولادنا من بعدنا, فليحفظه الله ويحميه ويبعد عنه الايدي القذرة والعابثة.

إن المواطنة الحقة تأتي من تحسس معنى الوطنية, فالوطنية تعني: حب الوطن والعمل من أجل تقدمه وازدهاره, والمحافظة عليه, والدفاع عنه, والتضحية من أجله, وحمايته من الاعداء العابثين, فمن لا يحمي وطنه لا يستحق العيش فيه, الوطن ليس سلعة لتفريط والمتاجرة فيه, ولن تحمى الاوطان إلا بتظافر جهود جميع إبنائه, فينبغي منا تجسيد مبدأ التلاحم لا التشتت، والاجتماع لا الافتراق, والسعي من أجل التماسك دون اللغو في قضايا مجتمعية تشتت الآراء, وتضعف الصف، وتكثر الجدل من غير جدوى, وتمزق النسيج الاجتماعي الذي هو أساس اللحمة الوطنية وبناء الاوطان, إن السلوك الحسن المحافظ على الوطن, ليدل دلالة واضحة على المواطنة الحقة, فالمحافظة لا التخريب, والولاء لا الشرود, والبناء لا الهدم, والإحترام لا لسخرية, لأن المواطن محترم مهما صغر أو كبر فهو مواطن في داره ووطنه, يسعى لإعلاء شأن وطنه, المواطن في الداخل يجهد من أجل التقدم, والمهاجر في الخارج يلغب من أجل رسم لوحة جميلة بديعة للوطن بدينه ولغته, وحضارته وتراثه, وأصالته وتقدمه وتطوره.

والمواطن الحق هو من يجعل الوطنية واقعاً ملموساً بتجسيده لحبه للدين, وولائه للوطن, ومشاركته الفاعلة في تنمية وتطوير هذا الوطن , لا أن يسعى إلى تدميره وخرابه, إما بإرهاب حاصد, أو تدمير خارب,  أو إفساد حاقد, وهذا لن يتأتي إلا لمن فهم هذه الأمور, ووعاها فهماً سليماً ووعياً صحيحاً, ليأتي العمل عن علم وتأتي الممارسة عن قناعة دون تملق أو مصلحة أو إضرار, فالمواطن الحق هو الذي يحفظ جميل الوطن ومعروفه, فلا يصف أهل وطنه بالتخلف والرجعية من أجل نشدته للتغريب, وتضييع مبادئ المجتمع, وتمييع خصائص بنار الجموح وراء الحقوق الخائبة, والمصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة, ولا يتهم أحداً من أبناء وطنه بنقص ولائهم لوطنهم أو بالخيانة أو العمالة دون مسوغ حقيقي في وقت ينادى فيه بضرورة التماسك والتلاحم وترسيخ مبادئ التصالح والتسامح وبناء السلام لإجتياز الأزمات, لا الصدع لإيجاد الصراعات, وينبغي علينا أن نستخدم سياسة الإستقطاب لا التنفير والقبول بالآخر, لكسب أكبر قدر ممكن للقبول بنهجنا وسياستنا تجاه وطنا فالوطن يتسع الجميع إبنائه, مهما أختلفة الآراء والافكار, لن تبقاء على نهجها لابد أن تتغير تلك الافكار والآراء لتعود إلى صوابها, لأن حب الوطن أكبر من حب المصالح, والمصلحة لن تدوم أما الوطن باق مادامة القلوب تنبض بالوطنية, لا أحد يستطيع كره أو إنكار وطنة مهما تعددة أماكن العيش والاستقرار, لقد أحب النبي - عليه الصلاة والسلام - مكة وحزن عند خروجه منها, واحب المدينة ودعا لها كما دعا إبراهيم - عليه السلام - لمكة.

فلنرم كل خلافاتنا وراء ظهورنا, ولنتنفسْ هواء الوطن, ولننظر لأنفسنا نظرة عز وشموخ, لأننا في وطن غزاه الطامعين وأنكاه الجارحين, وعاث فيه الفاسدين, وخاب فيه المخلصين, فينبغي منا الوقوف الثابت لنصرته واستعادة كرامته والمحافظة عليه وعلى ممتلكاته ومقدراته, دون تفريط أو تبذير, حرصاً منا على مستقبل أجيالنا القادمة, ولا يتحقق هذا إلا بالعمل الجماعي المتسم بالإخلاص والوفاء والإيثارية, وليكن  مثالنا في الإيثارية والإنتماء والإخلاص للوطن والمواطنة الصالحة, هم اؤلئك الذين يرقدون هناك بسلام بعد أن قدموا أرواحهم وآخر ما لديهم حباً لهذا الوطن,  دون إنتظار أي مردود دنيوي أو حتى كلمة شكر وثناء, إنما إيماناً منهم بواجبهم تجاه موطنهم الذي أحبوه وقدموا له كل غالٍ ونفيس في سبيل الحفاظ على كرامته وعزته ورفعته, فتحية لهم وسلام عليهم وعلى كل من يملك حساً وطنياً صادقاً.