فاروق يوسف يكتب:

حزب الله والآخرون

نعرف حزب الله وزعيمه حسن نصرالله ولكن مَن هم الآخرون؟

احتكر حزب الله تمثيل شيعة لبنان وذهب بفقرائهم إلى جحيمه فيما كان أثرياؤهم يتعرضون لابتزازه فكانت له حصة في ثرواتهم.

ذلك أمر طبيعي في بلد يتحكم به نظام طائفي عريق.

هو أمر طبيعي في إطار معادلة شاذة على مستوى المفاهيم الحديثة لبناء الدول. في سياقه يكون لبنان واحدة من الدول القليلة في العالم من جهة تخلفه السياسي وانحطاطه على مستوى العلاقة بين فئات مجتمعه وطبقاته.

لقد تراجع لبنان على كل الأصعدة بعد أن أتيحت لحزب الله فرص الاستيلاء على مخارج ومداخل الدولة اللبنانية. اما حين استولى على الحكومة عمليا فإن الدولة صارت في قبضته.

كان اللبنانيون يصرون على رفع شعار نزع سلاح حزب الله في محاولة منهم للتعبير عن شعورهم بالخوف من إمكانية أن يتوجه ذلك السلاح في أية لحظة إلى صدورهم. وهو ما خبروه واقعيا عام 2008 حين احتلت الميليشيا بيروت وأحدثت صدمة عظيمة، كانت بمثابة تمهيد لانتقال الرعب من مرحلة الفكرة المتوقعة إلى مرحلة الواقع المتحقق.

يومها أثبت حزب الله أن المطالبين بنزع سلاحه كانوا على حق.

ولكن ذلك الحق كان مجردا من الإرادة التي تدفع به إلى أن يقوى على المواجهة. فما حصل حزب الله عليه من دعم لم يحظ به معارضوه. كما أن جبهة المعارضة كانت ولا تزال تفتقر إلى مقومات التماسك والصمود، الامر الذي ساعد حزب الله على شق صفوفها وامتلاك ناصية، صنع من خلالها مسيحييه وسنته. هناك اليوم في لبنان ما يُمكن أن يُسمى بمسحيي حزب الله وسنة حزب الله.

ذلك انجاز لحزب الله انتقل من خلاله الطائفيون اللبنانيون بنظامهم الطائفي من مرحلة تجاذب الطوائف إلى مرحلة الاستقطاب الذي سيؤدي بالضرورة إلى تشرذم وتمزق نسيج اجتماعي كان قائما إلى وقت قريب على نسبة مقبولة من التمثيل الطائفي الذي ينسجم مع النظام القائم.

فالمشكلة التي صار اللبنانيون يعانون منها أن جزءا من تمثيلهم التقليدي قد تم تذويبه في ظل هيمنة حزب الله على أفراد وجماعات، تقع خارج دائرة نفوذه. وهو ما أدى إلى أن يكون هناك مسيحيون وسنة لا يمثلون طوائفهم غير انهم استطاعوا أن يفرضوا من خلال دعم حوب الله لهم سلطتهم وإن كانت تلك السلطة قد أضرت بالطوائف التي ينتمون إليها.

فمسيحيو وسنة حزب الله هم ليسوا مسيحيين أو سنة في مشروعهم السياسي. هم ليسوا سوى واجهات تنتحل تمثيل الطائفتين من أجل تمرير مفردات مشروع حزب الله.

كان واضحا أن جبهة الآخرين قد تصدعت حين اضطر الكثيرون إلى القبول بالحكومة التي أشرف على تأليفها حزب الله انسجاما مع مزاجه وتأكيدا لهيمنته. قبول المضطر العاجز لا يعني أن الامور ستقف عند هذا الحد. فهو بداية ليس إلا لانهيار النظامين السياسي والاجتماعي في لبنان وقيام دولة حزب الله الدينية التي ستفرض على اللبنانيين أجندتها المستلهمة من دولة الولي الفقيه في إيران.

لقد صار لزاما على اللبنانيين أن يستعدوا لما هو أسوأ.

فدولة يهيمن عليها حزب الله لن تكون دولتهم. وسيكون على الكثيرين منهم أما أن يخونوا لبنانيتهم ويضعوا أنفسهم اذلاء في خدمة خادم الولي الفقيه أو أن يغادروا لبنان دون رجعة.

فبالنسبة لحزب الله لا وجود للآخرين المختلفين الذين يسعون من خلال اختلافهم إلى أن يكون لبنان مخلصا لتنوعه ولمبدأ الحرية التي ينطوي عليها ذلك التنوع. لا لشيء إلا لأن ذلك الحزب لم ينشأ ليكون جزءا من التركيبة السياسية بل فرض بالسلاح وجوده.