مصطفى النعمان يكتب :
مصاعب ترامب وانعكاساتها
في 19 مايو 2018، نشرت على صفحات «عكاظ» مقالاً عن الاستعدادات لعقد أول لقاء بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون.
وكتبت «أثبتت كوريا الشمالية قدرتها على التلاعب بالإدارة الأمريكية وإظهارها بصورة ربما تؤثر كثيراً على تصرفاتها في ملفات ومناطق أخرى إذا تمكن اللاعبون من التحكم في مسار التعامل مع واشنطن بعيداً عن الابتزاز».
وقبل أيام عقدت القمة الثانية بين الرجلين وكان واضحاً أن الرئيس ترامب كان راغباً في تحقيق هدفين رئيسيين.
أولهما الابتعاد -ولو لأيام- عن العواصف السياسية التي تواجهه في العاصمة الأمريكية واشنطن، بدءاً من استجواب مستشاره الخاص السابق كوهين، وسيل الملفات المطلوب تقديمها إلى مجلس النواب حول أسرته وشركاته وشركائه ومساعديه، وهي قضايا ستستنزف من البيت الأبيض الجهد والوقت ولابد أنها ستجعل الرئيس يعيش مرحلة عصيبة حتى موعد الانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر 2020م.
الهدف الثاني الذي خطر للرئيس ترامب، هو إمكانية تحقيق إنجاز تاريخي بإعلان انتهاء الحرب في شبه الجزيرة الكورية والموافقة على إخلائها من السلاح النووي، وإقناع الزعيم الكوري الشمالي بتفكيك ترسانته النووية.
وبالوصول إلى هذه النتيجة أعتقد بإمكانية حصوله على جائزة نوبل للسلام تساعده في تحسين صورته داخلياً وخارجياً.
تصور الرئيس ترامب أن مهاراته في تحقيق صفقات تجارية يمكن استخدامها في الحصول على تنازلات سياسية من دول لم يتعامل معها من قبل، كما أنه لا يتقن التعامل مع أنظمة مغلقة سياسياً واجتماعياً مثل كوريا الشمالية التي تبدو على السطح كما لو كانت تدار بصورة منضبطة يمكن التوصل معها إلى تفاهمات مع الزعيم الوحيد لتنعكس على اتفاقات تنزع منها القوة النووية التي تحمي بها كيانها وبقاءها.
وما لم يدركه الرئيس الأمريكي هو أنه لا يستطيع تجاوز الصين ولا إبرام صفقات مع بيونج يانج دون مباركة بكين التي بدورها لن تمنح واشنطن جائزة بهذا الحجم دون الحصول على مقابل مجزٍ.
يبدو جلياً أن الرئيس الأمريكي لا يعي تعقيدات التعاملات الدولية وترابط القضايا على الصعيد العالمي، ولا يتفهم أنه ليس بمقدوره تجزئة حلول الأزمات الكبرى دون مقايضات وتنازلات.
كما أنه بعيد عن الإحساس بأهمية النظر إلى الخارطة والخطوط الجغرافية وحدود الدول كي يستوعب مدى قدراته على التأثير والحصول على نتائج مرضية للجميع، بينما هو رجل معتاد طيلة حياته على الربح والفائدة له بمفرده.
تمكن كيم جونغ أون من إعطاء الانطباع لترامب -رغم اعتراضات أجهزة الاستخبارات الأمريكية- بأنه صار جاهزاً لتنفيذ ما هو مطلوب من بلاده، لكنه عوضاً عن ذلك تمكن -في القمتين- من تقديم نفسه زعيماً عالمياً، وحصل على مفردات مديح من رئيس أقوى دولة في العالم دون أن يقدم شيئاً في مقابل كل الإطراء الذي تلقاه قبل وأثناء اللقاء.
يعيش ترامب أوقاتاً هي الأصعب في العامين اللذين قضاهما في البيت الأبيض، وستمتد معاناته مع ظهور الأرقام الجديدة لمعدلات العجز في الموازنة العامة الأمريكية، وكذلك عدم قدرته على تنفيذ وعده بإعادة التوازن لعلاقاته مع الصين الشريك الأكبر في التبادل التجاري، كما أنه أعاد شبح سباق التسلح مع روسيا، وهي قضايا لابد أنها ستؤثر على مواقفه تجاه العديد من القضايا.