فاروق يوسف يكتب:
ما الذي نعرفه عن مستقبل سوريا؟
سوريا بلد مدمر ساهم المنتصرون والمهزومون في تدميره. ولم يكن أولئك المنتصرون والمهزومون كلهم من أبنائه. بل العكس كان هو الصحيح، إذ كانت الحرب التي شهدتها سوريا منذ عام 2011 مناسبة لدول وجماعات وأفراد للتعريف بأنفسهم من خلال العنف.
لم يكن العالم كريما مع سوريا. كان كريما بقسوته فقط. فلو عدنا إلى الطريقة التي تعامل العالم من خلالها مع تطورات الأحداث في سوريا، لاكتشفنا أن سوء النية كان مبيّتا، وكانت الرغبة في التدخل من أجل أن تأخذ الأمور طابعا مأساويا هي الغالبة على سلوك كل الأطراف التي امتدت أيديها إلى الملف السوري.
تتساوى في ذلك الأطراف التي أيّدت المعارضة في مطالبها، والأطراف التي أعانت النظام في محنته. فالجميع دون استثناء كانوا يصطادون في الماء العكر. وهو ما زاد من سعة الهوة التي تفصل بين الطرفين السوريين المتخاصمين، ودفع كل واحد منهم إلى إظهار وحشيته والتعامل مع الآخر بقسوة نفاد الصبر.
وما زاد الطين بلة أن السوريين أنفسهم، معارضة وموالاة، صاروا يفكرون بالطريقة التي تفكر بها الأطراف الخارجية حين يتعلق الأمر بمأساتهم. فالموالون للحكم صاروا روسا وإيرانيين أكثر من الروس والإيرانيين، وفي المقابل صار المعارضون يبارون الغربيين والأتراك في البحث عن الوسائل الأكثر إيلاما من أجل تدمير سوريا. فعلى سبيل المثال كان البعض من المعارضين قد تحدث عن “أخوتنا في جبهة النصرة”، فيما كان البعض الآخر يدعو الولايات المتحدة إلى ضرب سوريا.
لقد اندفع كل واحد من الفريقين إلى أقصى ما هو متاح من أجل تدمير الفريق الآخر، ولم يكن في إمكانه أن يراعي ما يُدمر في طريقه من سوريا وشعبها اللذين تم انتهاكهما بطريقة مروّعة وبشعة.
السوريون اليوم شعب عاطل عن العمل والحياة والتعليم والأمل. ولم تعد الملايين منه تنتظر شيئا سوى المساعدات والهبات التي تقدمها دول
وفي خضم ذلك المعترك الذي يخلو من القيم الوطنية والإنسانية كان المجتمع الدولي يمثل نفسه من خلال عصابات ومنظمات وجماعات إرهابية حظيت بدعم من قبل دول، وضعت مليارات الدولارات في خدمة الإرهاب من غير أن تتخلّى عن شعار محاربته.
لقد كشفت الحرب القذرة التي شهدتها سوريا عن التفكير المزدوج في ما يتعلق بالإرهاب لدى الدول التي اعتبرت نفسها معنية بالإرهاب. فإيران على سبيل المثال تحارب الإرهاب بالرغم من أنها ترعى وتموّل وتدعم حزب الله والميليشيات العراقية التي تقاتل في سوريا إلى جانب النظام. في المقابل فإن تركيا التي تطارد الأكراد السوريين باعتبارهم إرهابيين لم تخف دعمها لجماعات دينية متشدّدة كانت تقاتل من أجل إسقاط النظام.
لعبة لم تكن لتُمارس علنا وبوقاحة نادرة المثيل لولا تخلّي السوريين عن حقهم في منع الآخرين من التدخل في شؤونهم. كان تهجير السوريين من قراهم وبلداتهم يتم علنا من قبل الميليشيات الأجنبية في ظل صمت النظام ومعارضيه. وهو ما جعل من السوريين ضحايا لمؤامرة ساهمت في حياكة خيوطها أطراف عالمية ومحلية، لم تقف خلافاتها حائلا بينها وبين إنجاز أهدافها في تدمير سوريا.
اليوم يفكر العالم في إنقاذ سوريا من خلال مؤتمرات يغيب عنها السوريون، موالاة ومعارضة، حيث لم يعد لهم وزن في المعادلة منذ سنوات. ولكن ما معنى شعار “إنقاذ سوريا” الذي تُعقد في ظله تلك المؤتمرات؟
إنه أمر يتعلق باللاجئين والنازحين والمهجّرين. لقد صار العالم يخشى أن يموت السوريون جوعا وبردا، بعد أن ساهم في تدمير مدنهم وقراهم وحرمهم من إمكانية العيش من عرق جبينهم.
السوريون اليوم شعب عاطل عن العمل والحياة والتعليم والأمل. ولم تعد الملايين منه تنتظر شيئا سوى المساعدات والهبات التي تقدمها دول، كان لأجهزة مخابراتها دور مشهود في إدارة الجماعات الإرهابية التي أشاعت الخراب في سوريا. لقد حوّل المجتمع الدولي سوريا إلى أرض خراب، وهو يُظهر اليوم رغبته في العناية بجثتها.