فاروق يوسف يكتب:
سيرة منتحلة
سيكون جارحا لو قلت لعدد من الفنانين الأصدقاء “إنكم تكذبون في ما يتعلق بسيركم الشخصية”، هناك مَن يكذب لينسجم مع ما تتطلبه الدعاية الرائجة من أخبار شخصية.
لقد قرأت ذات مرة في دليل أحد الفنانين العراقيين أنه وصل إلى عمان من بغداد مشيا بعد أن هرب من الجيش يوم كانت الحرب العراقية- الإيرانية قائمة، لست هنا في صدد تقييم الموقف الوطني لذلك الفنان. ولكن المسافة بين بغداد وعمان هي عبارة عن صحراء يستغرق اجتيازها بالسيارة نهارا كاملا، نجح ذلك الفنان في استدرار الشفقة حتى أنني رأيت نساء يبكين وهن يقتنين أعماله.
وصل ذلك الفنان بتأثير من كذبته إلى نيويورك، وصار يقدم نفسه باعتباره مقيما بين دبي ونيويورك، لقد ضمن له موقعا في قائمة الفنانين المعاصرين الذين لا يمكن أن تستغني عنهم صالات العرض العالمية، إذا ما تعلق الأمر بالعالم العربي.
ليس مهما بالنسبة لتلك الصالات في ما إذا كان الفنان يكذب، ما يهمها أنه ينفذ من خلال كذبته مشروعها في الاحتيال على مقتني أعماله الذين سيقعون لأسباب عاطفية في الفخ.
كان ذلك الفنان يكذب من أجل أن يتم الاعتراف به فنانا، غير أنه في الوقت نفسه كان يمارس نوعا رخيصا من الاحتيال الذي لا يليق بفنان، لقد صنع من فنه جسرا للوصول إلى مكانة اجتماعية ستصد عنه رماح النقد.
تعلم فنانون عرب من جوزيف بويز أن يكذبوا من أجل تأليف حكاية شخصية تقدمهم إلى العالم باعتبارهم ضحايا متمردين، وليس غريبا أن يقوم أحد الفنانين برسم لوحات ينسبها إلى سنوات شبابه ليؤكد من خلالها أنه سبق الآخرين بأسلوبه والمفردات التي يستعملها.
أعرف فنانا عراقيا رائدا كان يرسم لوحات في ثمانينات القرن الماضي ويذيلها بتواريخ تعود إلى الأربعينات ليؤكد ريادته، هناك الكثير من التضليل الذي يُمارس في ظل غياب الكتاب المتخصصين في كتابة التاريخ الفني.