الحبيب الأسود يكتب:
جريمة نيوزيلندا.. فشل شعارات الغرب في حماية الإنسان
مجزرة نيوزيلندا التي استهدفت مسجدين الجمعة الماضي وأدت إلى مقتل وإصابة العشرات من المسلمين، فضحت حقيقة ما يدور في المجتمعات الغربية من تراخ أمني وسياسي مع التطرف بكل أشكاله، تحت مسميات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ما أدى إلى رواج ثقافة الكراهية بشكل غير مسبوق وإلى إطلاق الوحش في نفوس بعض البشر ممن تربوا على العنصرية أو اكتسبوها، ووجدت المناخ المناسب لتصريفها في أفعال، أكدت أن المجتمعات، مهما كان تطورها وتقدمها المعرفي والثقافي والتكنولوجي، تحتاج إلى الحزم في إدارة الشأن العام، بما يحمي الإنسان من الإنسان الخارج عن ثوابت الإنسانية والشاذ عن قيمها، وأن شعارات الغرب التي تتمركز حول ما تدعي أنها حقوق للإنسان سرعان ما تنهار أمام عجز الدولة عن حماية تلك الحقوق وعلى رأسها الحق في الحياة وفي الأمن والاستقرار والالتزام بهويته الثقافية والحضارية.
وإذا نظرنا إلى تفاصيل المجزرة، فإننا نقف عند مشهد رجل يعبّئ سيارته بأنواع مختلفة من الأسلحة والذخيرة، مستفيدا من قانون لا يجرّم شراءها أو تداولها، فشركات الأسلحة في تلك الدول لها قوة نفوذ جعلت بعض الدول، بما فيها الولايات المتحدة، تعجز عن منع المتاجرة بالسلاح للعموم ما يجعلها في مقدمة الدول في هذا المجال، حيث يوجد بها 88.8 بندقية لكل 100 مواطن.
ألمانيا هي الأخرى تعاني من المشكلة ذاتها، وفي يوليو الماضي أيدت زعيمة الحزب اليميني الألماني، فراوكه بيتري، منح المواطنين الحق في حيازة الأسلحة ووسائل الدفاع عن النفس “بسبب تزايد شعور الكثيرين بعدم الأمان، حتى يجب أن يكون كل مواطن ملتزم بالقانون في موقف يؤهله للدفاع عن نفسه وأسرته وأصدقائه”.
الأمر ذاته ينطبق على أغلب دول الغرب، ومن بينها أستراليا التي ينتمي إليها الإرهابي برينتون تارانت، ونيوزيلندا التي شهدت جريمته، والتي كان القاتل عضوا في أحد نوادي البندقية المفتوحة على أراضيها لتعلم حمل السلاح واستعماله، وهناك تدرب على استخدام البندقية النصف آلية “AR-15”، التي استخدمها خلال تنفيذ مذبحته بحق أكثر من 50 مسلما، والتي تصنف على أساس أنها سلاح عسكري، علما وأن قوانين تملّك السلاح في نيوزيلندا تجبر المقدمين على شراء الأسلحة بألا تقل أعمارهم عن 16 أو 18 عاما لتملك الأسلحة شبه الآلية العسكرية، لكن رغم وجوب الحصول على ترخيص قانوني يسمح بامتلاك الأسلحة، إلا أن معظم الأسلحة الفردية لا يتعيّن تسجيلها ولا توجد لها سجلات.
الكارثة الثانية هي النقل المباشر للجريمة على موقع فيسبوك، حيث كان كافيا أن يلصق القاتل كاميرا بمقدمة رأسه، ليذيع على العالم بأسره تفاصيل المجزرة، في تأكيد على حالة الانفلات التي تعرفها مواقع التواصل الاجتماعي، ومجمل تقنيات الاتصال الحديثة التي تحولت إلى منصات للكراهية والإرهاب والقتل والتكفير وبث الرعب في نفوس الآمنين، ما يتطلب موقفا جديا على صعيد العالم بأسره لإيقاف هذا المنزلق الخطير التي لم يسبق للبشرية أن عرفت مثله سابقا، وقد يكون على العرب أن يدشنوا خطوة في هذا المجال بإعلان ميثاق شرف للحيلولة دون تحويل تقنيات الاتصال الحديثة إلى آليات للخراب القيمي والأخلاقي وللتمزق الاجتماعي ولضرب القيم الإنسانية.
الكارثة الثالثة، أن القاتل الذي قام بتصفية العشرات من الأبرياء ببرودة دم، نفذ جريمته وهو مطمئن إلى أنه سينهي المهمة قبل وصول رجال الأمن، وهذه إحدى مشاكل دول تعتقد أنها بعيدة عن الإرهاب، وأن الإرهاب هو فقط ذلك الذي يضرب دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بخلفية دينية إسلامية، في حين أن الإرهاب لا دين ولا جنسية له، ويمكن أن يضرب في أي مكان، ومن قبل أي شخص خصوصا عندما تتوفر له الفرصة والظروف.
والكارثة الرابعة، أن القاتل يعرف ما ينتظره، فهو يمكن أن يقتل من يشاء، ثم يسلّم نفسه للشرطة ويعرض على المحاكمة، وفي أقصى الحالات سيحكم عليه بالسجن لمدة 27 عاما، سيقضيها في سجن أشبه بالمنتجع السياحي، ليخرج بعد ذلك وقد ألّف كتابا عن تجربته لا شك أنه سيجد رواجا كبيرا بين العنصريين من أمثاله، وربما يتم تحويل الكتاب إلى فيلم أو مسلسل تلفزيوني.
نحن أمام حالة أقرب إلى العبث في عالم يعجز فيه الأمن والقانون عن حماية الأبرياء من عتاة الإجرام وأباطرة الإرهاب، وعندما تسعى دولنا إلى الحفاظ على أمنها بالاحتياط والمراقبة وقطع الطريق أمام القتلة تتعرّض للتشكيك في تمسكها بحقوق الإنسان.
ما حدث في نيوزيلندا على دول منطقتنا أن تتابعه وأن تستفيد منه في التأكيد على خصوصيات وضعها، وعلى ضرورة أن تحمي أمنها واستقرارها بكل الوسائل المتاحة.