فاروق يوسف يكتب:

في مديح العزلة

من حق كل الناس أن يرسموا، وهو الحق نفسه الذي يجعلهم يكتبون الشعر والقصص والرواية أو يمارسون الغناء، لكن في بيوتهم.

ومن حق كل امرئ أن يعزف عن رؤية إلاّ ما يُحب من الرسوم وما يشعر أنه يغني ذائقته الجمالية ويعلي من ثقافته الفنية، غير أننا نجد أنفسنا مجبرين على النظر إلى رسوم أقل ما يُقال في وصفها أنها رديئة.

يحدث ذلك حين يضطر المرء إلى حضور افتتاح معرض جماعي، يضيع فيه الجميل وسط عصف القبيح في مسيرة قطيعية يُراد منها استعراض تفاصيل المشهد الفني كلها، وهي تفاصيل لن يكون الإطلاع عليها مُسرا.

إن تجربة النظر إلى عمل فني رديء أو غير ناضج هي نوع من التعذيب، يشعر المرء أثناءه بأن مستواه الإنساني ينخفض ووجوده يتعرض للانتهاك وأن هناك مَن يسعى إلى أن يلقيه في هاوية من الضياع.

لطالما ندمت بسبب حضوري مثل تلك الفعاليات التي أحتاج بعدها إلى وقت طويل لكي أرمم ما انهدم من روحي ولاستعادة ما سُلب من استقراري النفسي.

أندم لأني زججت بنفسي في تجربة، كنت أعرف مسبقا أنني لن أخرج منها سليما، فبدلا من الحلم يحل الكابوس، وبدلا من أن أرى الملائكة صارت حواسي محفلا للشياطين.

إن أقرب الطرق لهلاك التربية الفنية السليمة تكمن في تجربة من ذلك النوع، فيها يخسر المرء جزءا كبيرا مما تعلمه عبر سنوات كدحه الجمالي، لذلك يمكنني القول بثقة إن أسوأ ما يقوم به المرء الذي يتمتع بثقافة جمالية راقية أن يزج بنفسه في احتفالات جماعية لا جدوى منها سوى أنها مناسبة لكي تعلن الجمعيات والمؤسسات الفنية عن وجودها.

تلك تجربة قاسية يشعر المرء بعدها بعظمة العزلة التي حين يخرج منها طائعا فإنه يذهب إلى ما يغنيها من اكتشافات جمالية تزيد من حبه للحياة وشغفه بالجمال، ليست العزلة سيئة، بل هي الخيار الأفضل إذا ما كان القبح بديلا عنها.