نبيل الصوفي يكتب:

اليمن والسعودية.. مَنْ يستثمر الآخر؟

السعودية والإمارات تشكِّلان تحالفاً لخدمة مصالح المنطقة، لأسباب خاصة بهما ولأسباب عامة في المنطقة.

موقف قومي وطني عظيم.. تُشكران عليه، ونتمنَّى أن لا نرى تدخلاً آخرَ ينقل الصراع في اليمن إلى ما هو أبعد من هذا المستوى.

وهما معاً تنتقدان الشرعية، وتنتقدان الخلافات اليمنية - اليمنية، وتتمنَّيان حلاً يعود فيه الاستقرار لهذا البلد لكي تعود المنطقة لاطمئنانها..

هما معاً، تحاربان الحوثي وتجرِّمان الإخوان..
هناك خلافات جوهرية بين أداء كلّ منهما، وليس في الأهداف..

تجاهد الوحدة اليمنية، هما يسعيان لتحالف وحدوي في المنطقة كُلها وليس تشظِّي اليمن، ولكنَّ الفارق هنا أن الإمارات ترى موضوع الوحدة من عدمه شأنَ اليمنيين، هي مهمتها دعمهم كقوى متفقة على هدف خدمة الأمن القومي لمناطقهم وبلادهم وجيرانهم، وبعدها يتفقون على آلية ذلك..

أما السعودية فلا تهتم بهذه التفاصيل.. هي تسير بالتجربة إلى أين ما وصلت وصلت.

لن تفرض الوحدة، ولن تفرض الانفصال، ولن تحارب أياً منهما.. تترك كل شيء للا شيء.

ترى الإمارات والسعودية، الحوثي خطراً، ولكن السعودية تعتقد أن خطر الحوثي هو فقط على حدودها، لو التزم لها بأن يتركها تعيد نخبتها التي حكمت اليمن من المصالحة الملكية الجمهورية إلى 2014، فستنتهي المشكلة معه، فيما ترى الإمارات أن الحوثي عاملَ تفخيخٍ مستمر سيحول دون أيّ استقرار في المنطقة كُلّها طالما بقي الحكم له في صنعاء..

تراهن السعودية على ثقتها أنَّ الحوثي شمالي، يمكن الوصول إلى تسوية معه عبر حقائب الأخضر.. وتقول الإمارات إنَّ أيّ تحالف قائم على الأرقام المالية غير المشروعة يبقى عرضة للريح، يتبدّل بمجرد إضافة طرف آخر لصفر أو صفرين يمين الرقم المدفوع.

ترى السعودية الجنوب، كما ترى إيران العرب، مصدراً لقلق غامض لا تعرف له تفسيراً..

وترى الإمارات صنعاء، كما لو أنها القدس عند الكنعانيين. كل اليمن عند الإمارات ملخصه صنعاء، كل الاستثمار الجنوبي هو في السعودية وغالب ما هو استثمار في الإمارات هو شمالي.

حتى الشركات باسم حضرموت هي لملاك من صنعاء.
لكنّها لا تفهم أيَّ مفاضلة بين مناطق البلاد، وهذا واحد من أسباب تعثر وجودها شمالاً..

كان الشيخ زايد يموِّل ميزانيات دولتي الشطرين، كما لو أنهما دولة واحدة.. لا يفاضل الكبير بين إخوانه.

فيما النخبة الشمالية متوجّسة من هذه الوحدة في النظرة، هي نخبة تعودت على الضّم والإلحاق.. لذا ستبقى أقرب للسعودية، ولكن ستبقى السعودية عاجزة عن الاستفادة من هذا القرب، لأن الزمن تغيّر، وبالكاد يقتنع الجنوبيون بالشمال أخاً مساوياً لهم.. فهو نازح وهُم صاروا حكّامَ أرضهم، وحتى لو تصالح الحوثي مع السعودية، وهذا مستحيل، فإنَّ هذا النازح سيبقى عالة، إما أن يعترف بواقعه الجديد وبالسيادة جنوباً وإما أن يحوّله الجميع سلعة للبيع والشراء في سوق المواقف اليومية.

السعودية ليست ضد بلداننا، وهذا ما تعلمناه والتزمنا به، وهو أحد أسباب الصراع السعودي مع الزعيم، رحمه الله، وهو أحد أسباب مقتله.

لكنها تستخف بالتحديات كُلها..
لو قارنتم بينها وبين قطر في الموقفين الليبي والسوري، سترون نفس الأداء، مع فارق جوهري وهو أن قطر تعتبر تهشيم الدول نجاحاً تسعى له كهدف بذاته لخدمة شركات الاستثمار الأمني الرسمية في الدول الكبرى..

فيما السعودية تتفاجأ بالنتائج فتصمت بعدها بشكل غريب.
في سوريا قد امتلكت الثورة نصف الدولة، وبدلاً من أن تدعمها السعودية على الأرض حشدتها للخارج والمؤتمرات والشكليات، وكان المقاتل السوري لا يجد قوت يومه، فيما السياسي العايش بمال السعودية يفتتح شركات من الدعم السعودي السخي.. فسيطر القاعدة وداعش، ولولا أنَّ بشار الأسد صمد لانتهت سوريا، وحين اكتشفت السعودية النتائج تلاحظون كيف صمتت ولا كأنَّ بيدها شيئاً.

واليوم مقابل كل ريال تنفقه الإمارات لتدريب جندي على الأرض، تنفق السعودية مليون ريال على سياسي فوق الشجرة.

وكلما ارتفع صوت يقول للأخيرة: مش كذا يا أشقاءنا وقادتنا وسند بلادنا، مسكوا فمه سريعاً خايفين من أن تطير الملايين العصفورية من فوق الشجرة.

طيب ستأتي حجرة واحدة من الحوثي وتطيّر بكل هذا العفش يا سعادة المشرف السفير حفظك الله.. وسنصبح كلنا عرايا، ولن يجدي حتى أن تكرر تمثيلية حرم السفير.

يجب تقدير النوايا الطيبة للمملكة، ويجب منافسة الخفة اليمنية التي تتحلق حول موائدها، من كل الأطراف، ولكن يجب أن يدركوا ضعف كفاءة مشروعهم هذا..

بالله عليكم، يخرجون 700 ألف مغترب، لا أحد استمع لهم، وينفق السفير، بسفه، على اجتماع كراكيب عفش دولة الزعيم، رحمه الله، بعد 30 سنة من الفشل المستمر؟

ازدحمت قصور وفنادق الرياض، بقيادات بقايا الثورة والدولة، ولعل رشاد العليمي ومحمد القوسي ورشاد المصري، ووزراء داخلية الفشل الأخير في عهد الزعيم يسكنون في حوش أميري واحد، وكل منهم له ميزانيته التي تمول أكذوبة وحدة صف الكراكيب والخردوات.

قد يكون لكل منهم دوافع طيبة ينافس فيها الآخر كي لا يستفرد ببيت مال السعوديين، ولكن بالمجمل هم لا يخدمون اليمن ومن ثمَّ لا يخدمون السعودية إطلاقاً.

ومثلهم دفعت السعودية بدل اجتماع لحضور قاعة الـ"سيئون" وما ساندها وجاورها ودافع عنها.

وهذه واحدة من الفروقات السعودية الإماراتية.. لا تدفع الأخيرة بدلاً لأي شيء، هذا عمل لبلادكم.. كيف تريدون بدلاً من دولة أخرى على عمل لبلادكم؟

ستتكفل الإمارات بكل إمكانيات الميدان، من الريال للمليار، وتخضعه لحساب وتدقيق ونقاشات يبقيك على شعور متحفّز طول الوقت متى ترجع بلادك فتحررك من شعور الاضطرار هذا للحصول على دعم من الأشقاء، وهذا هو جوهر مهم فرقاً بين تمويل يشترط عليك أن لا تعمل شيئاً، وتمويل يشعرك بأن عملك هو من يوجب دعمك.

أنا لا أمجّد الإمارات هنا، مع أنها تستحق تمجيد أخ كبير بكل عيوبه، لكنّه أخ حقيقي يحميك حتى من نفسك حين يجب ويمكن، ولكني أكشف زاوية للتقييم، قد تكون يوماً وثيقة لدراسة وفهم نتائج الحال اليمنية، فكل جبهة تولَّت فيها الإمارات العمل للتحالف العربي لصالح السعودية أولاً واليمن ثانياً والإمارات ثالثاً، تحققت الأهداف.

وكل جبهة تولَّتها السعودية سعياً لذات الأهداف التي تسعى لها الإمارات أيضاً، فلا خلاف في الأهداف.. كانت النتيجة تضخماً للفساد وغبشاً في الرؤية وزيادة في الضجيج، يشبعون الحوثي سباً ويذهب هو بالإبل.

أيها الدم اليمني القاني..
لعنة الله على عبدالملك الحوثي، فلولاه ما دخلت السعودية ولا احتجنا للإمارات..
ولولا عبدالملك ما رأينا وجوه النظام السابق تعود لتتوحّد بعد أنْ غدرت بأرجَل من كان يقودهم وأكثر اليمنيين قرباً لشارعه.. المواطن علي عبدالله صالح..

ويا أهلنا وقيادتنا السعودية، اتقوا الله فيكم وفينا، نخبتكم التي مولتموها 50 سنة أسقطت اليمن في حضن الحوثي..

فماذا ستسقطون بها الآن؟
حتى لو كان الهدف استخدام البرلمان لإسقاط هادي، سيصبح هادي بطلاً، لأن كل هذه النخبة هي في فنادقكم، أما في طول الجبهات وعرضها، لم يعد لها وجود..
اللهم فاشهد