فاروق يوسف يكتب:
الغرب الماكر ليس كافرا
الغرب كما يدعي الإسلاميون مصاب بعقدة “فوبيا” الإسلام. تلك فرية يدفع ثمنها بسطاء الناس. فالغرب هو نفسه مَن يدعم جماعة الإخوان المسلمين ويدافع ضمنيا عن حقهم في حكم مصر ويدعم الميليشيات الإسلامية المتشددة في ليبيا وفي اليمن.
الغرب لم يقل رأيه صريحا في هيمنة حزب الله على الأوضاع السياسية في لبنان، ولم يمس بكلمة واحدة ميليشيا الحشد الشعبي في العراق. بالرغم من أن الأوضاع في البلدين في تدهور مستمر بسبب تغول حملة السلاح غير الشرعي وتحولهم إلى سادة الأمر الواقع.
في حقيقة توجهه السياسي فإن الغرب يرغب في أن تهيمن قوى الإسلام السياسي على العالم العربي. فمن خلال تلك القوى يحقق الغرب رؤيته كاملة لمستقبل المنطقة كما يبدو ولا علاقة للأمر بعقدة “فوبيا” الإسلام.
الإرهاب الذي يخيف الغرب على أراضيه يبدو مقبولا على أراضي الآخرين. من ذلك القبول بجماعة الإخوان المسلمين باعتبارها حزبا سياسيا لا مدرسة إرهابية تخرجت منها كل الجماعات المتشددة التي حاربها الغرب، كونها جماعات إرهابية. حارب الغرب الفروع فيما يقف متضامنا مع الأصل.
لقد كُتب على العرب أن يدفعوا ضريبة إسلامهم. أن تكون عربيا فأنت من وجهة نظر الغرب متهم بالإرهاب، وأيضا عليك أن تقبل بالإرهاب سلطة عليك. ذلك هو الميزان الذي يحتكم الغرب إلى مقاربته العجيبة.
ما لا يعرفه الكثيرون ممن أغرتهم أفكار الجماعات الدينية بشعاراتها الثورية أن الغرب الكافر من وجهة نظر تلك الجماعات هو الغرب مَن يساندها ويقدم لها الدعم ويحميها ويرعى مستقبلها على حساب الشعوب.
سيكون من الصعب إثبات تلك الحقيقة بأدلة ملموسة. ولكن هناك قرائن يمكن المرء من خلالها أن يتلمس طريقه إلى الحقيقة.
فبعد انقلاب الشعب المصري على حكم الإخوان الذي استمر سنة واحدة عم الغرب كله صمت هائل. بعد ذلك نشطت مؤسسات كبيرة كانت مهمتها تنصبّ على التشهير بالنظام المصري الجديد الذي أنقذ المجتمع من كارثة الإخوان التي كادت أن تشعل حربا أهلية في مصر.
كان هناك شعور عميق بالهزيمة لم تستطع مؤسسات غربية عديدة إخفاءه.
على جانب آخر فقد تعامل الغرب بحذر شديد مع الإصلاحات التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من أجل أن تغادر السعودية زمنها القديم لتبدأ عصرا جديدا انطلاقا من رؤية 2030 التي تنطوي على انفتاح غير مسبوق على العالم.
لقد جعلت مؤسسات غربية كبيرة الأمير السعودي الشاب هدفا لحملاتها المدافعة عن “سعودية” محافظة، بعد أن أدركت أن السعودية الجديدة قد نفضت عنها غبار الماضي وصارت تتعامل مع جماعة الإخوان باعتبارها منظمة إرهابية. وهو ما يمكن اعتباره على المستوى الاستراتيجي ضربة قاضية للمشروع الغربي في المنطقة.
وليس خافيا على أحد الدور الذي حاولت أوروبا أن تلعبه من أجل تقويض العقوبات الأميركية على إيران التي لا تخفي رعايتها للجماعات الإرهابية المكلفة بنشر الفوضى في المنطقة تحت ستار مبدأ تصدير الثورة.
الإيرانيون مطمئنون إلى أن عقدة “فوبيا” الإسلام لم تقف حائلا دون وقوف أوروبا معهم في محنتهم. وهو ما يعني أنهم يدركون أن تلك الكذبة هي عبارة عن وسيلة لإبعاد الأنظار عن حقيقة تبني الغرب لتيارات الإسلام السياسي بكل فروعها. وهو ما تعرفه جماعة الإخوان المسلمين وتثق به.
ما صار جليا أن الغرب لا يريدنا إلا في إطار وصفاته المخابراتية الجاهزة. وهي وصفات تعود إلى وصايا جواسيسه الأوائل بعد الحرب العالمية الأولى. وهو ما يعني أن علينا القبول بالعقائد بدلا من الاحتكام إلى الواقع العملي.
الغرب ماكر وليس كافرا كما يقول المتأسلمون.