أحمد عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

جيش المقدشي الذي ينام في مناطق الحوثي !

أتذكر أن رئيس الوزراء نائب رئيس الجمهورية السيد / خالد بحاح كان قد كتب في تغريدة له بعد اقالته من قبل هادي بعامين على الأقل أن قوائم الجيش اليمني " جيش الشرعية " التي اطلع عليها شخصيا , والمسجلة في الكشوفات الرسمية تقارب ال ( 400 الف جندي ) ..! وأضاف أن معظم الأسماء المعتمدة لهذه القوة العسكرية والتي تتقاضى مرتبات شهرية من قبل التحالف هي عبارة عن " أسماء وهمية " ..  !

   ما يعني ويفيد منطقيا ان هؤلاء الجنود لا وجود لهم على أرض الواقع , أو أنها لأفراد لا تربطهم بالجيش الا " مواعيد نهاية الشهر " حينما تصرف مرتباتهم , ليغادروا بعد ذلك ف" ينتشروا " في رحابها بسلام عائدين الى مناطقهم التي يسيطر عليها الحوثي بطبيعة الحال ويقتسموا معهم كسرة الخبز... و( الدنيا عوافي ) على حد قولهم !

     حينما قرأت تغريدة رئيس الوزراء حينها , قلت ربما أن هنالك مبالغة في هذا الرقم المهول , وربما أيضا ان العدد الفعلي قد يقترب من نصف ما ذكر , أو أن " تسرب " الجنود من معسكرات التدريب أو من جبهات القتال لن يتجاوز الاف قليلة معدودة ,على الرغم من أن بحاح ليس من النوعية التي تستهويها المكايدات السياسية او تتمادى بالانغماس فيها. لكننا بالأمس فقط تفاجأنا جميعا بوزير الدفاع اليمني / محمد علي المقدشي وهو يقول بنفسه : أنه لا يتواجد في جبهات القتال ضد مليشيات الحوثي الا 30 % من قوام الجيش الوطني فيما بقية النسبة وهي 70 % يلوون في الشوارع والبيوت " .. حد قوله !!

  شخصيا .. لم اتخيل ابدا ان يتجرأ أي وزير دفاع في العالم ,ليصرح بمثل هذا القول بمثل هذه البرودة والثقة دون خوف من المحاسبة أو خشية من الإقالة الفورية ! لأنه من الطبيعي جدا في حالة كهذه والتي يعترف فيها مسؤول رسمي بمثل هذا التسيب في مؤسسته أن يقال أولا ويحاسب ثانيا حتى وان كان مجرد مدير لمؤسسة تجارية بسيطة , ناهيك عن كونه وزير دفاع لا يعيش جيشه في حالة عادية وانما في " حالة حرب " .. بل هي في الحقيقة " حرب وجود " ..!

        الخطير هنا ان الوضع لا يتعلق فقط بهذا التسيب الإداري والمالي الذي يضرب مؤسسة عسكرية تعيش حالة حرب , وانما يتعلق بما يعنيه هذا القول من الناحية العملية اذا ما تم تفكيكه من جهة ومدى تأثير ذلك على سير العمليات العسكرية من جهة أخرى , المسألة التي يمكن ان تتضح من خلال التساؤلات والاستنتاجات المنطقية التالية :

أولا : فيما يخص الفساد المالي والتسيب الإداري .. لو فرضنا جدلا ان قوام " الجيش الوطني " التابع للشرعية الذي يشرف عليه وزير الدفاع المقدشي هو ( 300 الف جندي ) .. وهي نسبة اقل مما ذكره بحاح ب ( 100 الف جندي ) , فهذا يعني بالنتيجة الرقمية وفقا لتصريحه أن المتواجد من هذا العدد في جبهات القتال هم ( 90 الف جندي فقط )-  مع يقيني انهم اقل من هذا العدد بكثير - فيما أن بقية العدد وهم ( 210 الف جندي ) لا يتواجدون في الجبهات ورغم ذلك يتقاضون رواتبهم وهم في بيوتهم ! ولو فرضنا ان راتب الجندي الواحد هو مبلغ ( 1500 ريال سعودي ) كأقل تقدير.. فهذا يعني أن مبلغ ( 315 مليون ريال سعودي ) وهي رواتب  210 الف جندي شهريا ستذهب هباء منثورا في فضاء الفساد !  ..او ( 3 مليار و 780 مليون ريال سعودي سنويا )..!! فمن منهم بالله عليكم يريد لهذه الحرب أن تنتهي وهو يحصل على كل هذه المبالغ المهولة التي يلتهمها الفساد الذي هو جزء منه ؟!!

  كما انه من " قوانين الفساد " اليمني أن هذا المبلغ المهول سيذهب في نصفه على الأقل لمجموعة قليلة من الأفراد الذي يشرفون على صرف المرتبات ! .. والسؤال : هل هناك من فكر مجرد تفكير في التدقيق في هذا الامر ناهيك عن المحاسبة ؟ .. وهل هناك من يتستر عليهم من مختلف الجهات ؟ .. ومن هي " الشخصيات " الكبيرة العسكرية والسياسية التي يمكن ان تكون متورطة في فساد مثل هذا ؟!! ولماذا لا تتم محاسبتهم من قبل التحالف أو على الأقل الجهة التي تقع عليها مسؤولية صرف المرتبات للمقدشي وادارته .

ثانيا : من الناحية العسكرية .. وكنتيجة منطقية لا تقبل الجدال , يمكننا القول ان عدد 210 الف جندي من قوام الجيش اليمني الذي " يفترض " انه يحارب مليشيات الحوثي , يتواجدون في منازلهم – بحسب تصريح وزير الدفاع – كيف سمح لهم الحوثي بذلك تبعا للحقيقة التي تقول ان " جميع " منازل هؤلاء تقع في المناطق التي يسيطر عليها الحوثي ؟ ومع وجود حقيقة أخرى تفيد انه لم يحدث في تاريخ الحروب في العالم ان يذهب جيش يفترض انه يقاتل عدوه الى  المناطق التي يسيطر عليها العدو لينام فيها بسلام , آمنا .. مطمئنا على حياته الا في هذه الحالة الفريدة التي يقدمها لنا الجنرال / محمد علي المقدشي بالأمس من خلال تصريحه  !  

     وعطفا على حقيقة تقول ان الحوثي لا يتهاون في الانتقام مع من يعتبرهم " عملاء وخونة " او " مرتزقه " وهو التصنيف الذي يطلقه على جيش الشرعية وافراده , فكيف به اذا يسمح لكل العدد المهول من " الخونة " على حد وصفه ان يتواجدوا في منازلهم ثم يذهبوا مع نهاية كل شهر – ان ذهبوا أصلا – كي يستلموا مرتباتهم من الشرعية دون ينتقم منهم او ان يحاكمهم او يمنعهم على الأقل ؟! ... منطقيا هذا يعني ان هؤلاء " يتعاونون " مع الحوثي ومليشياته وأجهزة استخباراته , أي اننا هنا نعيش حالة " اختراق امني " غير مسبوقة تضع فيها اغلبية هذه العناصر التي تذهب وتعود الى مناطق الحوثي ما يرغب في الحصول عليه من معلومات عسكرية تحت الخدمة الاستخباراتية الحوثية !  وربما ان هذا وحده  يفسر لنا كل هذا الفشل الذريع الذي تعيشه جبهات " نهم " و " صرواح " وغيرها من الجبهات التي لازالت في هذه الحرب تمثل " لعبة سخيفة " تتغذى من قبل الفساد ومعاني الخيانة ضد التحالف العربي .

بقي علينا ان نتساءل باستغراب شديد .. لماذا لم تحاول " الجهات المعنية " في التحالف العربي ان تكتشف هذه الحقيقة التي تحدث عنها المقدشي اليوم ! ولماذا صحي ضمير المقدشي اليوم وقرر ان يقول مثل هذا الكلام ؟ .. ولماذا لا يحاسب ويقال ؟  ثم من هي الجهات المتورطة في كل هذه المهزلة ؟ .. في تقديري الشخصي ان هذا الملف لا يجب ان يوضع في درج الفساد , وانما يجب ان يطرح على طاولة " المساءلة الشفافة "  من منطلقات عسكرية واستراتيجية تخص الأمن القومي العربي لأنني اعتقد ان هناك رؤوس كبيرة جدا متورطة ويجب ان تحاسب وتفضح .

أحمد عمر بن فريد