فاروق يوسف يكتب:

خلاص تونس وكابوس محبيها

رغم الأزمات الاقتصادية التي يمكن أن تتعثر بها أينما ذهبت فإن تونس بلد حي. هناك تفاؤل لدى عامة الناس في إمكانه أن يهزم يأس العارفين ببواطن الأمور السياسية. شيء يتعلق بالإرادة الشعبية التي صارت على يقين من أن التغيير قادم. لغة التغيير التي هي جزء من إرث الثورة تقوى على هزيمة المشاهد العبثية التي يعبر عنها وجود أكثر من مئتي حزب، تتسابق في ما بينها في اتجاه الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

هناك حراك سياسي يراهن على أصوات الشعب.

ولأن الشعب لا يثق بالسياسيين فإنه يقابلهم بغموض موقفه.

ما من أحد من السياسيين يبدو مطمئنا إلى مصيره. بالرغم من أن رئيس الوزراء يوسف الشاهد يحاول أن يمثل دور الرجل القوي من خلال تأسيسه لحزب جديد هو "تحيا تونس" الذي لا يمكن سوى أن يكون صورة عن أصله "نداء تونس" من جهة كونه مجرد تجمع لدعاية انتخابية.

الشاهد من خلال "تحيا تونس" يكرر لعبة معلمه الباجي قائد السبسي في "نداء تونس".

حزب بلا تاريخ ولا قاعدة شعبية وما من مشروع سياسي واضح المعالم. إنه حزب من أجل خوض الانتخابات وليذهب بعد ذلك كل إلى شأنه.

فكرة سيئة عن المستقبل.

لذلك لن تكون النتائج مريحة. فالشاهد يراهن على فكرة سيئة. ومع ذلك فإن الرجل يمثل حلا متاحا كما هو متوقع. هو على الأقل رجل دولة في السياق الذي صار مقبولا بسبب تداوله. استطاع بجرأة أن يستقل عن نداء تونس حين هرب بنفسه من حاضنة السبسي الذي جلبه إلى السياسة.

لكن احتمالات فوزه تبقى هشة ما لم يقدم مزيد من الإغراءات للاتحاد التونسي للشغل. وهو أمر قد لا يكون متاحا دائما بين يديه.

وبقدر ما يمثل الشاهد وحزبه حلا هو أشبه بالأمر الواقع بقدر ما يمكن أن يكون ذلك الحل على قدر من الارتجال الذي يوحي بالتسليم بغياب الحل الذي يمثل نقلة حقيقية من مرحلة فوضى الثورة إلى مرحلة، تتمكن الدولة فيها من استعادة قدرتها على إدارة حلقات عملها وبالأخص في مجال التنمية.

كثرة عدد الأحزاب تؤكد أن ما من شيء متفق عليه. وهو ما يستدعي التفكير في أن الفوضى قد تعيد انتاج نفسها في ظل اطمئنان قوى الفساد إلى أنها لن تكون موقع استهداف في المرحلة المقبلة.

الفساد الذي تسلل إلى كل مفاصل الدولة أثناء حكم زين العابدين بن علي نجحت رموزه في البقاء بعيدا عن المساءلة القانونية وهو ما يدفع البعض إلى اتهام القضاء بالفساد. غير أن ما يعطل التفاؤل بطريقة مميتة يكمن في ما يؤكده البعض من أن تلك الرموز صارت في منجى من المساءلة لأنها تمكنت من التسلل إلى الدولة الناشئة وصارت هي الأخرى ترفع شعارات التغيير.

وليس مستبعدا أن يقف الفاسدون وراء تمويل عدد من الأحزاب التي لم تُرتجل إلا من أجل خلق فوضى انتخابية وتشتيت أصوات الناخبين.

وفي ظل ذلك الواقع الانتخابي فإن الفائز في الانتخابات سيخرج ضعيفا في كل الأحوال. تلك ثغرة في جدار الدولة المدنية سيكون من اليسير على حركة النهضة وهي تيار ديني أن تتسلل من خلالها إلى كيان الدولة وبالأخص على مستوى السلطة التشريعية.

وإذا ما استطاعت تلك الحركة أن تسيطر على السلطة التشريعية فإن كل الأصوات المنادية بالحفاظ على روح الثورة والحفاظ على مبادئها تذهب هدرا. ذلك لأن انتصار حركة النهضة لا يشكل انتصارا لقوى الثورة المضادة حسب بل هو أيضا إشارة صريحة لبدء انهيار الدولة التونسية التي ستسلم قيادها لظلاميين ترعاهم وتمولهم قوى سبق لها وأن حاولت ضم تونس إلى امارات التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وفشلت.

يومها أفشل الشعب التونسي مخططات تلك القوى. غير أنه لن يقوى هذه المرة على افشالها إلا إذا تعامل بحذر مع ما يمليه عليه المشهد السياسي من فوضى.

"تونس في طريقها إلى الخلاص" يقول لك المتفائل. ولكنه حين يغمض عينيه لا يرى إلا كابوسا. ذلك ما صنعه السياسيون.