فاروق يوسف يكتب:
تونس في ظل ديمقراطية غير نافعة
باطمئنان وثقة يقول لي مثقف تونسي "إن فشل السياسيون فالشعب جاهز للثورة مرة أخرى".
كما لو أن خيار الثورة هو الرهان الرابح يبدو ذلك المثقف متفائلا بقدرة الشعب على احداث التغيير المطلوب.
السياسيون في واد والمثقفون في واد آخر.
ما يفكر فيه المثقفون لا يجد أمامه الطريق سالكة ليصل إلى الأطراف التي صارت تراهن على اللعبة السياسية.
فبعدما رست ثورة الياسمين على ضفاف الديمقراطية صار لها مَن يمثلها ولم يعد الحديث عن الثورة إلا نوعا من التهديد بانقلاب على الديمقراطية.
ذلك في الظاهر. أما في الكواليس فإن الديمقراطية قد أجهضت الثورة حين تمت استباحتها من قبل الأحزاب التي تقاسمت السلطة ونعمت بمنافعها ولم تعد قادرة على التخلي عنها.
وهكذا تكون الثورة قد انتجت سلطة قهرتها.
ولأن التونسيين فوجئوا بثورتهم ونتائجها الأولى وبالأخص حين هرب بن علي متخليا بطريقة غامضة عن الحكم فإنهم يعتقدون أن تكرار السيناريو ممكن في أي وقت. وهو أمر مشكوك فيه.
كانت الثورة على الاستبداد ممكنة بل ومطلوبة اما الثورة على الديمقراطية فإنها تفتح الباب على حرب أهلية، هناك أطراف تتلهف لقيامها. تلك معادلة ناقصة في ظل نظام سياسي صار يلجأ إلى الحلول الترقيعية بحثا عن النجاة في مواجهة أزمات مستمرة.
وهو ما حدث بسبب خلو مشروع المستفيدين من الديمقراطية التونسية من أية برامج واضحة للتنمية. هناك لغو فارغ تقابله إجراءات مرتجلة وفي المحصلة فإن الأوضاع المعيشية تزداد سوءا.
في السياق الديمقراطي فإن من واجب الحكومة أن تلزم نفسها بخطة لإنقاذ الوضع الاقتصادي بشرط أن تكون صريحة مع الشعب من خلال الزامه بتحمل تبعات تلك الخطة التي سيكون من شأنها النهوض بالواقع وإن بعد سنوات. فالمهم أن تكون الشفافية متاحة بين الطرفين.
اما أن تلجأ الحكومة إلى انهاء الإضرابات عن طريق الاستجابة لمطالب المضربين على حساب البنية الاقتصادية المتهالكة فإن ذلك يعد ضربا من الاحتيال السياسي الذي يهدد مستقبل البلاد.
حين يُقال لك "إن تونس على أبواب ثورة جديدة تقتلع الحكام الجدد" فإن ذلك معناه أن الشعب التونسي قد أهدر أكثر من ثمان سنوات في مطاردات عبثية هي عبارة عن اجترار لمعان لم يتحقق منها شيء.
فالثورة التي انتصرت في بدايات عام 2011 لم تنجز حتى هذه اللحظة شيئا من أهدافها. لم يكن الانتقال السلمي للسلطة هدفا من أهداف الثورة. وليس من أهدافها أن يكون هناك مجلس للنواب وانتخابات نزيهة وقانون للأحزاب. هي في حقيقتها ثورة محرومين. وما لم يتم انهاء حالة الحرمان التي يعاني منها جزء كبير من الشعب الكادح فإن تلك الثورة تكون قد أجهضت نفسها بنفسها من خلال خضوعها لديمقراطية ليست نافعة.
بعد أكثر من ثمان سنوات فإن الديمقراطية التونسية لم تنتج حكومة نافعة. حكومة يكون في إمكانها أن تتعامل إيجابيا مع إمكانيات الاقتصاد التونسي لترفع من مستوى العيش بما يلائم حقيقة الواقع الإنتاجي للإنسان التونسي المحب لأرضه.
تونس بلد أخضر غير أن أفكار سياسييه صفراء.
وهو ما يعني أن هناك هوة واسعة بين متطلبات العيش والفكر السياسي السائد. وتلك مشكلة لن تحلها ثورة جديدة.
فإذا كان الشعب جاهزا للقيام بثورة جديدة وهو امر مشكوك فيه فإن النتيجة لن تكون أفضل مما هي عليه الآن. سينتج الواقع سياسيين فاشلين سيسرقون من عمر الشعب سنوات مضافة.
ثورة تونس الحقيقية تبدأ حين يتحرر المثقف التونسي من كسله وخنوعه وتردده وارتباكه وخوفه ليقول الكلمة التي تنهي الابتذال الديمقراطي وتضع الحكومة أمام مهمتها الحقيقية في الإنقاذ.
ليست الديمقراطية أعز من كرامة الإنسان.
ذلك ما يمكن أن يعيد لثورة الياسمين اعتبارها.