غازي الشعيبي يكتب لـ(اليوم الثامن):
الدفاع عن الوطن واجب وعقيدة
الوطن هو تلك العلاقة الوثيقة التي تربط الإنسان بالأرض, وهذه العلاقة الوثيقة تتجسد بكون الوطن هو حافظة الذكريات التي لا تفنى, ذكريات الطفولة والشباب, ذكريات لقاء الأحبة, ذكريات التفوق والنجاح, ذكريات البهجة والأوقات الجميلة, وحتى الذكريات السيئة بمجرد أنها حدثت على أرض الوطن ربما ستستحيل إلى أوقات جميلة. الوطن أيضاً هو المكان الذي يذكر الإنسان بمن عاش معهم من أحبته ومن قابلهم في سنيِّه الأولى وما كان بينه وبينهم من أحداث ومواقف وحب وفرحة وبهجة وحزن وكآبة في بعض الأحيان, فالذكرى الجميلة تتحكم بالإنسان وتحبب إليه الأمر السيء القبيح.
ومن هنا فالوطن غير قابل للمساومة بأي شكل من الأشكال, ولا يجب أن يقبل التفاوض عليه, لأنه أرض الأجداد وأرض الأحفاد, لأنه ذاكرتنا وهويتنا, ولأنه أجمل بقاع الأرض في عيوننا. إن الإنسان بقدراته العاطفية الهائلة والكبيرة هو أقدر الناس على تحديد ما يحبه وما يكرهه, ومن هنا فهندما يقول شخص ما أن الصحراء القاحلة وطنه ويتغنى بحبه لها, يناجيها بالليل والنهار كأنها إحدى معشوقاته, فهو صادق, لأن هذا الوطن هو منبع الحنان والعطف والمحبة لديه.
فإذا كان الوطن هو منبع الذكريات عند الإنسان, فهذا الوطن يستحق أن يدافع هذا الإنسان عنه وبكل ما أوتي من قوة ومن جهد حتى لو كلفه ذلك حياته, وهذا ما رأيناه في صور التضحية التي ضحاها البشر على امتداد التاريخ, وجاء الله تعالى بأديانه السماوية ليؤكد هذه العلاقة, ففي الإسلام من جاهد في سبيل وطنه كان جهاده هذا في سبيل الله, ولهذا الأمر تفصيلات كثيرة لسنا بصدد ذكرها.
الدفاع عن الوطن لا يكون إلا إن تعرض هذا الوطن للاعتداء, ومن أبرز أشكال الاعتداءات التي قد يتعرض الوطن لها وربما يكون هذا الشكل أبرزها, هو الاعتداء من قبل دولة أخرى على هذا الوطن بقصد تسخير الشعب وبقصد امتلاك كافة ثروات هذه الأرض أو بهدف التوسع الجغرافي للدولة الأخرى المحتلة على حساب دولة أخرى, وربما يكون هذا الاعتداء لأسباب عقائدية وأيدولوجية, وأيضاً قد يكون هذا الاعتداء بهدف الطغيان وكل أنواع الاعتداءات هي طغيان.
أما النوع الثاني من أنواع الاعتداءات المتنوعة على الوطن يكون بأن يتعرض هذا الوطن لمخطط لتقسيم أرضه وشعبه إلى فئات متناحرة ومتذابحة بعد أن كانوا يعيشون جياراناً وأهلاً على أرض واحدة ولهم ذكريات واحدة, وهذا الاعتداء هو تمهيد في الغالب للاعتداء الأول. وربما يكون هذا الاعتداء من قبل الآخرين بأيدي أبنائه الذين سممت أفكارهم وغذيت بالكراهية والحقد وعدم تقبل الآخرين المختلفين عقدياً أو أيديولوجياً, وتقبل فقط المساوين المتطابقين بكل شيء.
في حين أن النوع الثالث من أنواع الاعتداء على الوطن هو عن طريق الفساد الداخلي لأبناء هذا الوطن, عن طريق نهب ثرواته, وعدم تحمل أمانة المسؤولية العظيمة التي ألقيت على عاتقهم في صون مقدرات الوطن وثرواته وثورة المواطنين جميعهم, وهذا هو السبب الرئيسي لضياع الأوطان في العالم الثالث اليوم, حيث إن هذا السبب يؤدي بالضرورة إلى نشوب المخططات وطمع الأعداء فيه, مما يلجؤهم إلى حياكة المخططات التي ترمي لتفريق أبناء الوطن جميعهم.
ومن هنا تبرز أهمية الدفاع عن الوطن والدفاع لا يكون بالجعجعات الإعلامية التي يجعجعها البعض ليل نهار على المنابر الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي أو عندما يجلسون بين الناس, فأن توهم الناس بأنك تحبهم وتحب الوطن وتسرقهم في أول فرصة سانحة فهذا من قلة الأخلاق وهو عيب كبير وهو خيانة للوطن والأمة.
فالدفاع عن الوطن يكون أولاً بالوعي التام الذي يتوجب أن يتحلى به كل أبناء الوطن, فمصلحة الوطن يتوجب أن تكون أولاً وقبل كل شيء أي قبل أية مصلحة ضيقة كانت ما شاء لها أن تكون, فالمصالح الضيقة كثيرة ومتنوعة فربما تكون مصلحة مادية أو حزبية أو سياسية أو اقتصادية أو أي نوع آخر, فكل هذه المصالح هي أنواع مختلفة لمصالح ذاتية فردية بحته, لا ترتقي لأن تكون مصلحة جماعية لكافة أبناء الوطن.
أما النوع الثاني من أنواع الدفاع عن الوطن فيبدأ بمحبة أبناء الوطن لبعضهم البعض, حيث إن هذا الأمر يساعد وبشكل كبير جداً على أن يتجاوزوا المآزق التي يمرون بها معاً, وهذا من شأنه أن يقتل أي نوع من أنواع المخططات التي تحاك من قبل الأعداء لتفتك بالأمة والوطن وتشرذم أبناءه وتقسمهم إلى أجزاء متناحرة متحاربة.
الطريقة الأخرى للدفاع عن الوطن تكون بالجهاد في سبيل الله ضد الأعداء المهاجمين المعتدين, وهذا واجب مقدس, لأن حب الوطن هو غريزة والدفاع عنه فرض على كل من هو قادر أخلاقياً ودينياً, لأن الدفاع عن الوطن هو دفاع عن الدين والعرض وعن الإنسان وعن ذاكرته وعن عقله وعن هويته والدفاع عن الوطن هو دفاع عن الشعب الذي تربى الإنسان بينهم, وشاطرهم أفراحهم وأتراحهم فكل هذه الأمور تستأهل من الإنسان أن يدافع عنها وأن يقدم الغالي والنفيس من أجل الحفاظ عليها, وذلك الجهاد ما احوجنا إليه في تلك المرحلة, لا سيما في بوابة الجنوب الضالع, وهو واجب على كل مقتدر.
فقد أكدت الشريعة الإسلامية أن الدفاع عن الوطن وحمايته من المخاطر جزء من العقيدة حتي ان الله تعالي قرن بين الوطن والدين في آية واحدة لقوله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم ولم يخرجوكم من دياركم" فالوطن لا يقل أهمية عن الدين وقد قرن ايضاً بين الاخراج من الوطن وبين القتل قال تعالى: "ولو أن كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم". وعلينا أن ندرك أن الدفاع عن الوطن والأرض هو حقاً فرض على كل فرد فيه, وخاصة إذا غزي, وهو في حقيقته دفاع عن العرض والدين والكرامة, فمن لم يدافع عن كرامته فلا كرامة له, ومن لم يدافع عن عرضه فعرضه مستباح طعين, ومبتذل مهين.
نعم فالجنوب الحبيب اليوم يتعرض لحرب ثالثة, من قبل الغزاة الحوثيين وحلفائم من بعض المناطق الشمالية, بحيث يشنون على الضالع هجمات شرسة من عدة جبهات, لوما يقضة الابطال وبسالتهم من القوات الجنوبية المشتركة, الذي يلقنوهم أبشع الدروس والعبر, لتمكنوا من دخولها, ولكن هي هات هي هات لن يفلحوا, فعزيمة واصرار أخواننا المجاهدين تعلو كل الإرادات, ولكن علينا أن نعلم أن قتالهم ليس حكراً على فرد أو فئة أو قبيلة أو منطقة, بل على كل فرد مقتدر ينتمي إلى هذا الوطن, ومن لم يستطع فليكن عوناً لهم بالدعاء وتقديم المساعدة من مؤونة وغيرها وهذا أقل واجب.
وبالختام فاليعلم هؤلاء الغزاة وعملاؤهم أن الله يقول : "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" , ونحن الصالحون أصحاب الأرض الحقيقيون, وهم الدخلاء الواغلون الغازون وليس لهم أدنى حق فيها, والرسول صلى الله عليه وسلم, يقول : "من قتل دون ماله فهو شهيد" فالأرض من أهم ما يملكه الإنسان من مال وأغلاه.
كتب/ غازي المزارع.