غازي الشعيبي يكتب لـ(اليوم الثامن):

عذراً يا وطني

عذراً ياوطني فلن أرفع شعار النصر كما رفعه وتغنا به المنخدعين المتبجحين بإنتصارات زائفة ووهميه, عذراً وطني لن أبتسم فألم الجرح مازال يألمني ودماء الشهداء ما زالت تروي ربوعك ياوطني, ومازال ركام بيوتنا المهدمة تروي حكاية صمود وصبر شعبناً كان شامخاً وعزيزاً لن يقبل الذل والإنكسار ويكتب الحكاية بالدماء.

عذراً يا وطني لقد قطعت عهد على نفسي أن لا أفرح ولا أبتسم إلا عندما تعود لك حريتك وكرامتك وعزتك وشموخك, إلا عندما تعلن دولتنا المستقلة كاملة السيادة من المهرة إلى باب المندب وإنهاء الاحتلال بشكل كامل وجذري من كافة ربوعك ومناطقك, فحلم الشهداء مازال يراودنا يلهب الثأر فينا, يرسم لنا خارطة حريتك واستقلالك بالدماء ويحدد لنا الطريق العزة والكرامة متى ما كنا صادقين مع أنفسنا ومبادئنا وأهدافنا.

عذراً يا وطني لقد استشهد من أجلك الشباب والشيوخ والنساء والأطفال, أما نحن في وقتنا الراهن لقد أصبحنا نختفي مبادئنا وأهدافنا وراء حجة نبذ الفتنة لنبرر عبوديتنا, وأصبحنا ضعفاء, سلبنا إراداتنا بأنفسنا وراهنا ومنحنا مصيرنا لمن لا يخاف الله فينا, نعم لقد اكتشفنا أن هناك من يساومون عليك, والى قصور الأشرار ذهبوا لتحاور تحت حجة ومبرر السلام والتعايش السلمي, غير مدركين أن فيه احتواء لثورة شعبك ومسيرتهم النضالية, وذلك برعاية رأس الفتنة حباً وإكراماً وإيماناً بمصالحهم.

عذراً يا وطني لقد عجزنا أن ندافع عنك ونستعيد حريتك وكرامتك ولا سبيل بعد عجزنا إلا أن نشفق على مستقبل أبنائك, ولا أدري هل نحن ما زلنا أبنائك يا وطني؟ وكيف نكون الأبناء ونحن ضعفاء لن نقوم بإنصافك واستعادة كرامتك, وما زلنا نختزلك بقبيلة وطائفة وجماعة ومنطقة, ونلهث وراء مصالحنا الشخصية على حساب مصلحتك وعزتك وشموخك, فعذراً يا وطني, لأنك لا تستحق ما قمنا به, وعذراً لأسلافنا وتاريخهم الذي بعثرناه وزورناه وأقصيناه بانفسنا.

نعم نعتذر لتاريخك كله ولكل قطرة دم شهيد نزفت لأجلك, لم نقدر قيمتك, وفشلت كل محاولاتنا في الذود عنك أمام جماعة مرتزقه وجيوش محتلة لا تعرف معنى أن تضيع منا أيها الوطن.

عذراً يا جنوب الشهداء والأبناء الصبورين, فلقد تعبنا من محاولاتنا الفاشلة, بينما لم يتعبوا من الكذب والتحايل والفساد, ولن يتطهروا من حقدهم عليك يا وطني, وصار  واقعاً أنهم لن يرحلوا عنك حتى لو  أفلست وهجرك كل أبنائك يبحثون عن غيرك وطناً لأجسادهم.  

عذرا أيها الوطن المتعب مثلنا, فلقد قلنا وكتبنا كل شيء, وكررنا بدل المرة ألف أنك أمانة يجب أن نحافظ عليها وأن نعمل على حمايتك ونستعيد كرامتك, ولكن نحن في زمن غير زمن الرجال الذين وهبوك دمهم لأجلك, زمن كثر فيه الجبناء والمرتزقة والمتربصين, وتيقنت بأنهم لن يترددوا في قتلنا جميعاً بكل طرق القتل المباحة وغير المباحة, من أجل أن يعيشوا ويعيثوا فساداً في أرضك.

عذراً يا وطني لا أعلم متى نوقد شمعة الشجاعة كما كنا نوقدها سابقاً, ونكف عن لعن الظلام والإرتهان لمن لا يريد الخير لنا, متى نكون متبوعين غير تابعين, مؤثرين غير متأثرين, متى يتوهج نور الأمل فى عيون الأجيال يضىء عتمة اليأس, متى نطهر الأرض من تلوث الخوف, نمهدها للخلف ينثرون بين ذراتها بذور الحرية تروى بماء الأمان, متى نخلع عنك عباءة القهر المختبئين فيها جميعاً يا وطني.

عذراً يا وطني لا أعلم متى يكون ذلك رغم كلما يحيطه بك من تآمر وظلم وفساد ومحسوبية وقمع وتهميش وتجويع وترصد وتلصص وابتذال ونفاق إعلامى, يؤدى إلى خيبة وانكسار ويأس وإحباط واختيار الانزواء والصمت أو الهجرة خوفاً من مواجهة الاستبداد, والرغبة العارمة في تعرية المنطلقات الأيديولوجية والاقتصادية وأجندات سياسية منفذة لما يرسمه الآخرون من سياسات توسعية وقمع لشل الإرادة وتعصيب العيون عن الحقيقة.

عذرا يا وطني لم يعد في اليد حيلة, وأصبح الاعتذار آخر مرفأ لنا, لك الحب يا وطني أعلم أنك خلقت لا ترتبط بأشخاص ولا أحزاب ولا ثورات ولا وصايات ولا تحتويك أزمان ولا جهات, فلا تبالي بمن لا يعشقك ولا يقدرك, فمن خذلك قد خذل نفسه ومن خانك قد خان عرضه ودنس شرفه, ومن احتلك واستغلك أظهر طمعه وخاب سعيه, ومن اغتنمك قد شان نفسه, ورغم كل هذا العجز, إلا أننا نؤمن أن الله الذي حفظك وأعلى راية الإسلام فيك, لن يتخلا عنك ولن يسمح بأن يضيع وطن سقي كل شبر به بدماء أغلى أبنائك.

كتب / غازي المزارع الشعيبي