فاروق يوسف يكتب:

معجزة العم ترامب

مضى عام على الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران. الكرة كانت دائما في الملعب الإيراني. لم يتوقع أحد أن يتراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن قراره. كان هناك مَن يراهن على شيء من اللين في الموقف الأميركي لتشجيع إيران على أن تتقدم خطوة في اتجاه الحوار. غير أن ذلك الرهان سقط صريعا بعد أن تزايد حجم العقوبات الأميركية ووجدت القيادة الإيرانية نفسها محشورة في زاوية المواجهة.

أول ردود الجانب الإيراني انصب على التهديد بتعليق عدد من الالتزامات التي نص عليها الاتفاق في محاولة منه لجر الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق إلى أن تكون لها حصة في الصراع. غير أن الرد الأوروبي برفض ذلك الإجراء كان فوريا وصاعقا. كانت اللعبة مكشوفة لذلك رفضت أوروبا الانصياع للابتزاز. ولم يعد مستبعدا أن تفرض دول الاتفاق الأوروبية عقوبات على إيران إذا ما مضت في تنفيذ تهديداتها التي لن تؤثر في شيء على الموقف الأميركي.

لقد سبق للإدارة الأميركية أن صاغت موقفها من مسألة إعادة النظر في التوصل اتفاق جديد من خلال 12 شرطا اعتبرتها أساسا لأية مفاوضات محتملة مع إيران. كل شرط من تلك الشروط يتعلق بجانب أساس من جوانب من السياسة الإيرانية المعتمدة عبر أربعين سنة هي عمر النظام الذي أسقط الشاه وحول إيران إلى دولة دينية، يقوم مشروعها أصلا على مبدأ تصدير الثورة. لذلك لم يكن متوقعا من قبل الجهات التي صاغت تلك الشروط للرئيس ترامب أن تجثو إيران صاغرة وتنفذ شروطها. ما حدث أن النظام الإيراني وُضع أمام جدار المستحيل الذي صار عليه أن يخترقه.

ولأن البارجات الحربية الأميركية صارت على مقربة من إيران فإن الأخيرة ستفكر مليا في أن شخير المرشد الأعلى للثورة سيتم تسجيله، لذلك فإنها ستكون مضطرة للانتظار من غير أن تجرؤ على التفكير في اتخاذ قرار الحرب الذي تعرف أنها لن تكون قادرة على تحمل تبعاته. سيكون الملالي أمام خيارين لا ثالث لهما. اما الحفاظ على الثورة أو تبديدها بطريقة عبثية. والثورة بالنسبة لهم هي السلطة التي تشكل مصدرا لمنافعهم.

ولكن ذلك لا يعني أن قادة إيران سيطلبون من سويسرا راعية المصالح الأميركية لديهم رقم الهاتف الشخصي للرئيس ترامب لكي يتصلوا به من أجل اصلاح ما خربته المناوشات التي لم تكن بالنسبة لهم سوى "سوء فهم". سيظل هاتف ترامب صامتا ولن يتلقى اتصالا من طهران. ذلك لأن طهران ترغب في أن تتخلى الولايات المتحدة عن شروطها لتذهب إلى مفاوضات من غير شروط مسبقة.

حتما ذلك أمر مستحيل.

سيراجع الإيرانيون موقفهم من أوروبا. لقد أخطأوا بتهديداتهم. أوروبا هي الوسيط الممكن الوحيد بالنسبة لهم. استعداء أوروبا لم يكن موقفا صائبا. على الأقل فإن دولتين مثل فرنسا وبريطانيا يمكن أن تقفا في مجلس الامن ضد استصدار قرار بضرب إيران. وإذا كان ذلك القرار غير متوقع الصدور بسبب وجود روسيا والصين فإن انضمام فرنسا وبريطانيا إلى معارضته سيكون مفيدا لإيران التي صارت في مرمى النار الأميركية.

غير أن ترامب وهو رجل عملي ربما فكر في أن يترك بصمته في التاريخ من خلال تحرير منطقة الشرق الأوسط من الهيمنة الإيرانية. لكن ذلك قد لا يتم عن طريق الحرب. لا لأن إيران مفرطة في تفاؤلها بل لأن يأسها سيدفع بها إلى البحث عن حلول وسط. وهو ما ستفضله الإدارة الأميركية. بذلك ينجز ترامب حلا سحريا يقوم على سلامة الأطراف كلها.

لقد صنع الرجل الذي لم يأخذه الكثيرون على محمل الجد معجزته التي هي في طريقها الى التحقق.