فاروق يوسف يكتب:
انتخب عبير موسي
لو كنت تونسيا لانتخبت عبير موسي، زعيمة الحزب الدستوري الحر رئيسة لتونس في المرحلة القادمة.
لا أنتخبها لأنها امرأة. وذلك سبب معقول ومقنع بل انتخبها لأنها صاحبة مشروع سياسي واضح.
ذلك المشروع واقعي لأنه يبدأ بنفي الثقة بالربيع الكاذب وإعادة الأمور إلى نصابها في سياق قانوني.
المحامية التي تنتمي إلى خط بورقيبة يحاربها النهضويون واليساريون وهما الطرفان اللذان حاربهما الرئيس الراحل.
ليس الحنين إلى الماضي هو ما يدفعني إلى انتخاب موسي. ولكن سياسيي تونس الحاليين قد لوثوا الحاضر بفسادهم.
الحاضر الكئيب الذي تعيشه تونس يستدعي التفكير في آليات العمل التي كانت تحفظ لتونس استقرارها وأمن شعبها الغذائي.
عبير موسي واقعية أكثر من الآخرين. بل هي السياسية الوحيدة التي تنتمي إلى الواقع، باعتباره عهدة بورقيبية.
وفي كل الأحوال فإن الانحياز إلى موسي هو تعبير عن الانحياز إلى المرأة التونسية، بقوتها وثراء موقفها من الحياة.
عبير موسي هي واحدة من تلكم النساء اللواتي يدرن عجلة الحياة في بلد، لا تزال المرأة فيه تعاني من شروط قاسية في العمل.
لن تكون موسي باعتبارها رئيسة عنوانا للمرأة التونسية. ذلك لأن مشروعها هو مشروع مجتمع يرغب في استدراك اخطائه.
من وجهة نظرها كانت هناك حماقة اسمها الربيع العربي بدأت في تونس. وهي حماقة آن لها أن تنتهي.
وإذا كان النهضويون واليساريون قد وجدوا في تلك الحماقة مناسبة للظهور فلأنهم لا يملكون مشروعا للتحول.
لا ترى موسي في "الربيع العربي" إلا نوعا من الفوضى. وهو ما خيب الآمال في حدوث تغيير حقيقي.
المرأة التي تضع نداء تونس وحركة النهضة واليسار في سلة واحدة انما تعتبر الجميع نتاج تلك الفوضى.
فكرة عبير موسي عن إعادة الهيبة للدولة التونسية تستحق التأمل بل التقدير أيضا في ظل دمقرطة الفساد الذي التهم الدولة.
لا تخشى أن يُعاب عليها انتماؤها إلى الدولة التي أسسها الحبيب بورقيبة بالرغم من أنها تدعو إلى قيام الجمهورية الثالثة.
ليس لديها ما تخفيه في مواجهة أحزاب تستند في تعاملها مع الشعب على المكر والنفاق السياسيين بحيث تظهر شيئا وتخفي نقيضه.
حربها المعلنة ضد طرفي السلطة، نداء تونس وحركة النهضة، تنطوي على رغبة حقيقية في انهاء زمن الفوضى.
ذلك الزمن الذي يرغب سياسيو ما بعد ثورة الياسمين في تكريسه سعيا منهم لاستمرار منافعهم الشخصية القائمة على الفساد.
عبير موسي هي صرخة بورقيبية في وجه مَن يحاولون تبديد مكتسبات مرحلة ما بعد الاستعمار والعودة بالمجتمع إلى زمن التناحر.
ليست موسي في صدد تمجيد الماضي بكل أخطائه ولكنها تسعى إلى عقلنة الحاضر من أجل أن لا يكون هجاء الماضي وسيلة للإلهاء.
لقد تم استغلال مساءلة دولة بن علي من أجل تمرير جرائم الإسلاميين والاعتذار منهم بل ومحاولة تسليمهم السلطة اعتذارا منهم.
وهو ما ترفضه موسي. ليس دفاعا عن زمن بن علي بل لأنه يشكل إهانة للقانون وضربا من ضروب العبث بالثوابت الوطنية.
عبير موسي التي تصر على التصريح بانتمائها إلى الدولة، لا تفعل ذلك استقواء فهي تعرف أن الأحزاب صنعت بيئة معادية للدولة.
إنها تفعل ذلك حرصا منها على مستقبل تونس من الضياع وسط مشاعر غريزية، بدائية لا تفرق بين الدلة ونظام الحكم.
لذلك فإنها تدعو إلى قيام الجمهورية الثالثة، حرصا منها على تأكيد انتمائها إلى الدولة وانفصالها عن ماضي الحكم فيها.
لا أعتقد أن سياسيا تونسيا ينافس عبير موسي في صدقها وفي وضوح مشروعها الهادف إلى انتشال تونس من الفوضى.
وهو ما تستحق من أجله أن تكون رئيسة للأمل.