فاروق يوسف يكتب:
مَن يلعب بالنار في الخليج؟
إذا ما تعلق الامر بأمن الخليج العربي فإن عملية خلط الأوراق لن تكون ممكنة. ذلك لأن جزءا عظيما من روح العالم المعاصر يقيم هناك.
استقرار الدول العربية النفطية المطلة على الخليج هو جزء من استقرار العالم، بشرقه وغربه. لذلك يصعب القول إن هناك ثغرة أمنية يمكن أن تتسلل منها أية قوة، صغيرة كانت أم كبيرة للعبث بذلك الاستقرار.
ليست هناك مبالغة في القول إن كل شيء هناك هو تحت المراقبة. وما جرى حين تم استهداف أربع ناقلات نفط في مياه الخليج قبل أيام انما يمثل لحظة تهور هي التجسيد الأمثل لغباء الجهة التي قامت بذلك الفعل الطائش.
وإذا ما كانت إيران وهي الطرف الذي توجه إليه أصابع الاتهام قد عبرت عن دهشتها واستغرابها لما حصل فإنها لم تنف مسؤوليتها بشكل قاطع.
وهو ما يجب أن نضعه في الحسبان.
فهي وإن كانت تستعد للمنازلة الكبرى فإنها لا تزال تنظر إلى تلك المنازلة باعتبارها حدثا خياليا يمكن أن لا يقع. وهي تعتبر كل الاستعدادات العسكرية الأميركية في المنطقة مجرد نوع من الحرب النفسية التي يُراد من خلالها "تركيع الشعب الإيراني" حسب التعبير الرسمي.
في حقيقة الأمر فإن الولايات المتحدة لا تميل من جهتها إلى التورط في حرب جديدة في المنطقة لأسباب كثيرة يقف في مقدمتها الحرص على أمن واستقرار منطقة الخليج، باعتباره واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية في العالم. غير أن ذلك الموقف هو ما لا ينبغي لإيران أن تراهن عليه وهي تمارس سياساتها القائمة على التوسع على حساب الدول الأخرى ونشر وتمويل الميليشيات الإرهابية فيها.
في مقابل إصرار النظام الإيراني على الاستمرار في سياساته فإن كل المعادلات القائمة قابلة للتعديل. وهو ما تؤكده الاستعدادات العسكرية الأميركية وهي استعدادات أقل ما يمكن أن يُقال عنها إنها كافية لشن حرب، من المؤكد أنها ستكون مدمرة لإيران.
من جانب آخر فإن الظن بإن النظام الإيراني غافل عما يدبر له انما يعبر عن سذاجة مطلقة. فذلك النظام يملك عيونا في واشنطن ولديه محافل سياسية تدعمه هناك. وهو ما بدا واضحا في حقبة حكم الرئيس أوباما. لذلك فإن من المؤكد أن ذلك النظام يدرك جيدا أن هناك مسافة ما بين أن تحرص الولايات المتحدة على أن تضبط أعصابها في حالة إذا ما كان الوضع في منطقة الخليج مسيطرا عليه وبين أن ترى الولايات المتحدة أن مصالحها ومصالح العالم باتت عرضة للتهديد.
الإيرانيون يعرفون جيدا أن أمن الخليج خط عالمي أحمر. وهو ما يدفع بهم في أحيان كثيرة إلى التراجع عن تهديداتهم في غلق مضيق هرمز على سبيل المثال. تلك حماقة غير نافعة، سيكون ثمنها باهظا. من خلالها تقف إيران مباشرة في مواجهة مفتوحة مع العالم وليس مع الولايات المتحدة نفسها. وليس من باب التكهن القول إن إيران ستخرج خاسرة من تلك المواجهة التي لن يفرضها أحد عليها.
لذلك يبدو مستغربا أن تلجأ إيران إلى تدبير بعض الحيل الصغيرة في محاولة منها للتذكير بما يمكن أن تفعله عن طريق هامشها الميليشياوي. وهو هامش تعتقد أنه سيكون بعيدا عن الرصد والمراقبة. حماقة يمكن أن تدفع إيران ثمنها في القريب العاجل. فـ"الحرب بالوكالة" التي كانت تعتمدها لم تعد مقنعة لأحد. صار الطرف الأميركي مقتنعا بأن ضرب الرأس المدبر هو الدواء لكل مشكلات المنطقة.
من غير المتوقع أن تشن الولايات حربا شاملة على إيران من غير أن ترتكب الأخيرة حماقات كبرى غير أنه من المؤكد أن ضربة قد تتلقاها إيران في إيران، تكون أشبه بالصفعة التي يُراد من خلالها تذكير الملالي بحجمهم.