نبيل الصوفي يكتب:
الجنوب كقضية والشمال كاتجاه
"لم أنسَ هيئة وهيبة الكحيل الكبير الذي قاوم الغزاة في حرب 94 وأصيب بأكثر من عشر رصاصات بأنحاء جسده..
يومها كنت في قرية بخال التي أسعف إليها الكحيل، وكانت كل الناس تتحدث عن بطولاته وشجاعته، والتصقت بذاكرتي صورة واسم هذا البطل، وبعدها كلما قابلته أو شاهدته أمامي شعرت بالاعتزاز والفخر.
في حرب 94 نجا الكحيل رغم إصاباته البليغة وكان رمزاً للبطولة والشجاعة..
اليوم حفيده محمد صالح عبدالله الكحيل سقط شهيداً في حرب صد الغزاة الجدد..
تعازينا لهذه الأسرة المناضلة".
انتهى..
ينكأ الحوثي مرة بعد مرة جراحاً ممتدة جنوباً، ولا يبدو أننا قادرون على أن نقول باسم الشمال للجنوب: الحوثي وريث الخطايا كلها، لكنه اليوم لا يمثّل الشمال.. الشمال اليوم منقسم ومشتَّت، وتغذي الشرعية وإخوانها هوانه وانقسامه، ويستفيد الحوثي من ذلك ليس فقط لإيذاء الجنوب، بل قبله لمزيد من تجريع الشمال الهوان والظلم والبغي..
الشمال اليوم، مجرد اتجاه مهما تدافع جنوباً ليقاتل مع الحوثي أو يتحدث عن الوحدة ضد الجنوب، فهو بدون مضمون شمالي حتى، وتؤصِّل الشرعية واقعه هذا إما خدمة للحوثي بوعي، أو اعتقاداً بأن هذه مصلحة للإخوان، أو بدون وعي..
إن قيام دولة جنوبية بحاجة لدعم شمالي معادٍ للحوثي، يرى أن قيام هذه الدولة ضرورة لمنع الحوثي من مزيد من التنكيل بالشمال قبل الجنوب..
وقيام حركة نضالية جنوبية اليوم ليست معنية بحرب الوحدة و94، فالحوثي هو حركة ما بعد الجمهورية اليمنية أساساً، الحوثي ألغى الدولة اليمنية بكلها كوحدة أو حتى شطريه، لم يعد في الشمال سوى قوة احتلال في خدمة صراعات المنطقة، لا تقيم وزناً لليمنيين لا ديناً ولا دنيا..
ما قبل 2017 هو تاريخ ماضٍ، لم يعد يمثله شيء في الحاضر، ودولة جنوبية اليوم لأجل الحاضر والمستقبل هي المهمة وليس لأجل صراعات الماضي القريب أو البعيد..
ليست انفصالاً، لأنه ليس هناك ما ينفصل عنه، قد انفصل الحوثي ليس فقط عن الوحدة بل وحتى عن دين اليمنيين ودنياهم.. بعد أن انهارت دولتهم..
الجنوب ممتد اليوم من المهرة إلى الحديدة، في مشهد تاريخي جديد، وحده من يقابل الحوثي بإيمان ووطنية وبحرب حياة أو موت، مقابل تحالف الشرعية وبقايا دولة 94 الذين يتركون الجبهات للحوثي وخطابه وعقيدته، ويفرغون هم كل معاركهم ضد الحوثي من كل نزاهة والتزام، الحوثي يقتل وهم يقيمون الندوات..
الحوثي يعسكر للقتال، وهم يصرفون المرتبات..
الحوثي يقيم دولة الولاية على الأرض بالدم وهم يتصرفون كأنهم في خلاف سياسي بين الرأي والرأي الآخر..
هو يعيد الاستيلاء الإمامي على ذهنية اليمنيين ووعيهم، وهم يدينون الحرب كل يوم، وينتظرون كرم القاتل بأن يتركهم في الدراما والنقاش والتصريحات..
لهذا المقاتل كل الإجلال، وللماضي الموجع الذي هدد حياة والده الأسف والاتعاظ، ففي 94 فقدنا نهائياً روح الخطاب الوطني، فالمنتصر تحول دولة بلا مضمون اجتماعي فكري ديني تعددي، تحول أحادياً يدعي الوحدوية، والمهزوم كفر حتى بذاته.. وكاد يلتهمه الحوثي كما التهم الشمال لولا فزعة من تحت الركام ونصرة الشقيق القادم من وراء الحدود..